* بعد الحديث في عدّة مقالات عن جماعة الإخوان الإرهابية المحظورة وأهدافها الاستعمارية في المنطقة العربية، وأن هذه الجماعة ما هي إلا رأس حربة للاستعمار الأمريكي الصهيوني للمنطقة العربية، وتدمير جيوش البلاد العربية ووضع الخطط لتدمير كلٍّ من العراق وسوريا ومصر والسعودية، وتقسيم هذه الدول إلى دويلات، وما يفعله الإخوان في سوريا ليس بعيداً، حيث إن سوريا - التي أفتى القرضاوي بوجوب الجهاد فيها وحشد الشباب المسلم للجهاد في سوريا، وفي إحدى خطبه كان يحث الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" على إرسال المزيد من المال لجيوش الإخوان في سوريا وكأن القرضاوى يخاطب مجموعة من الهطل والمخابيل، وكأن أوباما أعلن إسلامه ويريد أن يطبق شرع الله في سوريا - ولكننا نفهم جيدا الدور الاستعماري القذر الذي يقوم به الضال المضلل يوسف القرضاوي في تنفيذ الخطة الصهيوأمريكية بتدمير جيوش العراق وسوريا ومصر والسعودية، وتفتيت هذه الدول إلى دويلات صغيرة تستطيع بعدها إسرائيل أن تتوسع لتقيم الحلم التوارتي بإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وقد أصبحت أهداف هذه الجماعة الضالة مكشوفة ومفضوحة للشعب العربي، وأصبح دورها الاستعماري مفضوحا، وكل ادعاءاتها الباطلة والزور أصبحت لا تنطلي على الشعب المصري الذي خرج مبهرا العالم كعادته، يوم الاستفتاء على الدستور الجديد بنسبة 98 %، ويوم 25 يناير، رغم التفجيرات والعمليات الإجرامية التي استهدفت عوام المسلمين في كل شوارع القاهرة، وبإذن الله تعالى سوف تندحر مؤامرات يوسف القرضاوي وجماعته التي تمثل رأس حربة للصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية، وسوف يكتب التاريخ - بلا رحمة - عن خيانة هذه الجماعة لشعبها ودينها الإسلامي الذي هو برئ من أفعالها الإجرامية وأهدافها التآمرية.
ومن باب إراحة عقول القارئين فقدت أردت أن أخرج بهم إلى حقبة تاريخية مهمة من النضال العربي ضد الاستعمار، وهي تحتوى على معلومات قيمة ظريفة، وهدفي هو زيادة الوعي عند الشباب المصري خاصة - والعربي عامة - بتاريخ هذه الأمة والحقابات المتــــروكة التي ربما أهملتها وزارات التــــعليم أو تناولتها بطريقة مختــــصرة مخلّة، ولذلك سوف أكتب ربما حلقة أو أكثر عن هذا الموضـــــــوع، ألا وهو "لورانس العرب والثورة العربية"، والدور الذي قام به الرجل البريطاني في الثورة العربية.
ولورانس هذا هو الابن غير الشرعي للسير توماس روبرت، ولورانس اسمه بالكامل "توماس إدوارد لورانس"، وأمه هي "سارة مادن" كانت تعمل في الأصل خادمة ومربية لأولاد السير لورانس من زوجته الشرعية، حتى وقع السير في حب هذه الخادمة وعاش معها كزوجين، وأنجب منها خمسة أولاد - منهم الابن الرابع وهو "توماس" الذي أصبح فيما بعد مشهورا باسم لورانس العرب – توماس هذا ولد سنة 1888 وتوفي سنة 1935، ورغم أنه وإخوته أبناء غير شرعيين للسير لورانس، إلا أنه اهتم بهم كأولاده تماما، وقام بتربيتهم وتعليمهم وحاول أن يقنع زوجته الأولى بالطلاق - حتى يلحق أولاده من عشيقته به ويتزوجها – وفي شهر أكتوبر عام 1907 التحق "لورانس العرب" بكلية يسوع في جامعة أوكسفورد لكي يحصل على شهاة في التاريخ - بكالوريوس التاريخ - حيث كان مولعا بعلم الآثار وقرأ قصصا عن قادة تاريخين أمثال: سنحارب وتحتمس ورمسيس وغيرهم الكثيرون، وقد كلفته الجامعة بإعداد رسالته وأعانته على ذلك، وكانت رسالته هي الهندسة المعمارية للقلاع الصليبية في منطقة الشام حتى شمال العراق، والبحث عن أثار دولة الحيثيين - وهي الدولة التي حاربها رمسيس الثاني وهزمها في معركة قادش - وكان من صفاته الشخصية أنه شخص لا يعرف الملل ولا اليأس، وذو أفق واسع وذكاء حاد وحب للمعرفة والعلم، وعندما انتقل إلى بلاد العرب وأخذ في البحث عن آثار الحيثيين والقلاع الصليبية - وكان كثيرا ما يسير على الأقدام وينفد ما معه من طعام وشراب - كان يلجأ إلى العرب لكي يتزوّد بالطعام والشراب، وقد سحره وأعجبه كرم العرب وجودهم، حيث إنهم كانوا يمنحونه الطعام والشراب والإقامة دون مقابل مادي رغم أنه كان يعرض عليهم ذلك، فكانوا يرفضون أخذ مال منه وهو ما لم يره ولم يتعوده في بلاد الإنجليز، حيث كل شىء له ثمن وحيث المشاعر المتبلدة، أعجب "توماس" بهذه الأخلاق من جود وكرم وحسن ضيافة وإعانة له دون مقابل مادي، فدفعه ذلك إلى الالتحاق بمدرسة تابعة للإرسالية الأمريكية ببلدة جيل في لبنان، لكي يلتقي موهبة في الحديث بالغة العربية التي كان يجيدها، واشتدت إجادته لها عبر مصاحبته لأهل هذه اللغة في البوادي التي كان يبحث فيها، وفي هذه الأثناء انضم إليه عالم الآثار الإنجليزي الدكتور هوغارث، وشاركه في البحث عن آثار مدينة "كركميش" عام 1913، وعاش لورانس مع العرب والأكراد الذين كانوا هم عمال الحفر والمساعدة، وتعرف عليهم عن قرب، وقد شاهد في سوريا عدة إعدامات نفذتها القوات التركية في حق عدد من المناضلين العرب الذين كانوا يعملون مع الشريف حسين، حاكم مكة، وأولاده: الأمير فيصل في الشام، وعبد الله في العراق، وأحس لورانس بمدى مأساة العرب تحت الحكم التركي القاسي، وتعاطف مع قضية النضال العربي ضد الوجود التركي المتمّسح في الخلافة الإسلامية، والتي لم يكن قد تبقى منها سوى الاسم فقط، أما الممارسات فقد خرجت تماما عن صحيح الدين والإسلام وتحولت الجيوش التركية في المنطقة العربية إلى عصابات للنهب والسلب والقتل.
في السنة الثانية عام 1914 قام لورانس بكتابة دليل لصحراء سيناء بأسرها، وأصبح هذا الدليل هو المرجع للقوات البريطانية المتواجدة في مصر، وكان لورانس تحت رعاية المسؤول البريطاني "كوتشز"، وفي هذه الأثناء نشطت الجمعيات السرية المناضلة والمناهضة للوجود التركي في المنطقة، وبدأت ملامح الحرب العالمية الأولى تبدو في الأفق، وكان الشريف حسين حاكم الجزيرة العربية يستعد لقيادة النضال ضد الوجود التركي في المنطقة، ومعه أبناؤه الأربعة: فيصل وعبد الله وزيد وعلي، يعملون على التواصل مع الثوار العرب في جميع الدول العربية، ومشايخ القبائل العربية والزعماء العرب، وفي هذة الفترة كانت أخبار اكتشافات لورانس وزملائه، أمثال مارك سايكي ونيوكوميس، في ميدان الآثار القديمة تصل إلى مسامع السير جيلبرت كلايتون، حتى بادر باستدعائه إلى مقر القيادة العليا للجيوش البريطانية في القاهرة، وعين لورانس في دائرة الخرائط التابعة لرئاسة القوات البريطانية في الشرق الأوسط، كخبير تستعين به القوات البريطانية في الخرائط الخاصة للقوات في هذه المنطقة التي يعرفها ويجيدها لورانس، وقد تعرف لورانس على جميع المواقع الاستراتيجية المتواجدة في المنطقة بأسرها والتي يحتلّها الأتراك، ونجح لورانس في تجنيد عديدين من شباب المناضلين ضد الأتراك نظرا لمعرفته بهذه المناطق، وفي عام 1916 وقعت حادثة مؤلمة حيث قام الأتراك بتنفيذ حكم الإعدام شنقاً في أعداد كبيرة من المناضلين العرب، وكان بينهم طفل صغير عمره 12 عاما، ونظرا لخفة وزنه فقد عانى كثيرا من حبل المشنقة حيث إنه استمر ينازع الموت فترة طويلة على حبل المشنقة، وكان جمال باشا الحاكم التركي للإقليم السوري يحضر تنفيذ هذا الحكم ومعه عديدون من قيادات الجيش التركي، وأحضروا معهم الأمير فيصل بن الشريف حسين، الذي هاج في وجوههم وسبّهم بسبب هذا الطفل فأودعوه السجن حتى جاءتهم الأوامر من الآستانة - مقر الحكم العثماني - بإطلاق سراحه، وكانت لمثل هذه الأحداث آثار بعيدة في ثورة العرب على الأتراك، وكان صيف عام 1915 قد شهد إعلان عرب الحجاز الثورة ضد الأتراك، ورغم إعلان هذه الثورة إلا أن غالبية العرب في بلاد العراق والشام كان ولاؤهم للأتراك أكثر من الإنجليز، فتلقى الإنجليز هزيمة نكراء على أيدي العرب والأتراك في بلاد العراق وأصبحت القوات البريطانية في العراق يرثى لها، فقامت المخابرات البريطانية بإرسال لورانس من القاهرة إلى العراق لعله يحدث تحوّلاً في الأوضاع السيئة التي وصلت إليها القوات البريطانية في العراق، حيث إن العرب والأتراك تمكنوا من حصار هذه القوات في منطقة "العمارة"، وأوشكت القوات البريطانية على الهلاك وتم عرض دفع جزية قدرها مليون جنيه استرليني على خليل باشا قائد القوات التركية، وتسليم أسلحة القوات البريطانية المحاصرة مقابل فك الحصار عنها، إلا أن الأتراك رفضوا هذه الشروط فأرسلت القوات البريطانية ثلاثة من الضباط - على رأسهم لورانس - لإجراء مفاوضات مباشرة مع قائد القوات التركية خليل باشا، وبعد رحلة شاقة جرت المفاوضات بينهم باللغة الفرنسية، والكلام يدور حول تبادل الأسرى بين الجانبين، ومصير العرب الأسرى الذين يقاتلون مع القوات البريطانية ضد الأتراك، وكان الأتراك يطلقون عليهم مسمّى "المرتزقة العرب"، إلا أن خليل باشا إبراهيم أخبرهم أنه يقوم بإعدام المرتزقة العرب أوّلاً بأوّل، وأخيرا فإن الجنرال البريطاني - قائد حامية العمارة التي ضرب الأتراك والعرب عليها الحصار، وهو الجنرال تاونسند - أعلن استسلامه للقوات التركية المحاصرة له، وفشلت بعثة لورانس إلى العراق.
ومن الرحلات السرية التي تمّ تكلف لورانس بالقيام بها، رحلته إلى ليبيا، حيث أجرى اتصالات سرية مع شيوخ في الحركة السنوية، وكانت الفرصة سانحة للشريف حسين للتخلص من حكم الأتراك الذي أذل العرب في بلادهم وحكم عليهم بالإعدام بلا رحمة ولا شفقة، وأهانهم شرّ إهانة، ولكنه لم يكن يعلن ذلك خشية ألا يفي الإنجليز بوعدهم له بتوفير الذخيرة والأموال التي يحتاج إليها لإعلان ثورته، خاصة وأن الإنجليز أصابهم الإحباط بعد معركة العمارة التي استسلمت فيها الحامية البريطانية للقوات التركية، إلا أن الشريف حسين وأولاده الأربعة - الذين خططوا للثورة في سرية تامة - لم ينتظروا جواب الإنجليز في ليلة ليلاء على القوات التركية، وكان الشريف حسين يقود الهجوم بنفسه فقام هو ورجاله على مكة المكرمة، بينما ولداه الأميران علي وفيصل يقودان الهجوم على المدينة المنورة، وقد انتصر الشريف حسين على الحامية التركية التي تدافع عن مكة، وقد قام الأتراك بتحصين القلاع الثلاثة التي يدافعون منها عن مكة، إلا أن العرب - بقيادة الشريف حسين - قادوا هجوما كاسحا ودخلوا إلى المدينة واحتلوا أسواقها وأنزلوا بالأتراك هزيمة ساحقة، وقتل أكثر رجال الحامية التركية المدافعة عن مكة، أما قوات الأمير فيصل وشقيقه علي فقد هاجمت المدينة المنورة ونسفت خط السكة الحديدية الذي أقامه الأتراك لربط دمشق بالمدينة المنورة، ولكن فشلوا عدة مرات في اقتحام المدينة المنورة، وقد سقطت مدينة جدة في أيدي القوات التابعة للشريف حسين ونفذت الذخيرة والمؤن من العرب، ودخل الشريف حسين في مفاوضات مع الإنجليز لدعمه.. وللحديث بقية.