الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معدل الولادة القيصرية.. وممارسة الطب الدفاعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نشرت مجلة اللانست الطبية الشهيرة فى عدد أكتوبر (١٣) لسنة ٢٠١٨، دراسة عن المعدلات العالمية للولادة القيصرية، ولم تكن مفاجأة أن تأتى مصر فى مرتبة متقدمه بمعدل ٥٥.٥٪ من الولادات، ومع اعترافنا بأن المعدل الحقيقى أكثر من ذلك بكثير، وأن المعدل المذكور ربما يكون من السجلات الرسمية للولادات التى تمت فى المستشفيات الحكومية، وأن المعدل فى القطاع الخاص أعلى من ذلك بكثير. وأن المعدل فى ازدياد يوميا، إذا وجب التساؤل عن الأسباب التى أدت إلى ذلك؟ وعن الأضرار والمخاطر الصحية التى صاحبت ذلك؟ وكيف يمكن تقليل معدل الولادات القيصرية فى مصر إلى المستوى الآمن والمقبول عالميا وهو من ١٥ إلى ٢٥٪؟
وفى هذا البحث المنشور فى اللانست سنة ٢٠١٨، وهى مجلة طبية مرموقة، وتحصل على معلوماتها من مصادر رسمية، ومن سجلات منظمة الصحة العالمية، كانت معدلات الولادة القيصرية، فى دول العالم كالتالي؛
الأعلى عالميا هى جمهورية الدومنيكان بنسبة (٥٨.١٪)، وفى المرتبة الثانية كل من البرازيل (٥٥.٥٪)، ومصر (٥٥.٥٪)، ثم تركيا (٥٣.١٪)، وفنزويلا (٥٢.٤٪). بينما كانت المعدلات فى الدول الأكثر رفاهية أقل كثيرا من الدول السابقة، حيث كانت المعدلات فى الولايات المتحدة الأمريكية (٣٢.٩٪)، وفى إنجلترا (٢٥٪)، وفى الدول الإسكندنافية وهى الدنمارك والنرويج والسويد (من ١٥-٢٠٪). وتمثل نسبة الـ١٥ إلى ٢٥٪، النسبة المقبولة علميا، ومن منظمة الصحة العالمية، لتحقيق سلامة كاملة لصحة الأم والمولود، ودون التسبب فى مضاعفات أو عواقب نتيجة الإفراط غير المبرر فى استخدام الولادة القيصرية، فى حدث هو بالطبيعة ظاهرة فسيولوجية تحدث منذ خلق الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها.
وإذا اتفقنا أن هناك أسبابا طبية مقبولة لإجراء الولادة القيصرية فى حدود آمنة من (١٥-٢٥٪) من كل حالات الولادة (مثل حالات الولادة المتعثرة، واعتلال فى ضربات قلب الجنين، وكبر حجم الجنين وصغر مقاييس الحوض، وبعض الأوضاع التى يتواجد عليها الجنين والتى لا يمكن ولادتها طبيعيا، وبعض الأمراض التى تصيب الأمهات أثناء الحمل)، إلا أنه تظل الولادة القيصرية السابقة هى السبب الأساسى لإجراء الولادة القيصرية المتكررة فى مصر والعالم.
وسوف نخصص هذا المقال لدراسة الأسباب الأخرى (غير الطبية) التى أدت إلى الزيادة غير المبررة فى معدلات الولادة القيصرية، لتصل إلى أكثر من النصف (٥٥.٥٪) على مستوى الدولة المصرية، وإلى أكثر من ٩٠٪، فى بعض المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة.
ومن خلال ممارستى لهذه المهنة لأكثر من ربع قرن من الزمان، ومن خلال مشاركتى لبحث منشور من طب المنصورة فى جورنال النساء والتوليد سنة ٢٠١٣، بعنوان زيادة معدلات الولادة القيصرية فى مستشفى المنصورة الحامعي: مدعاة للقلق!، أستطيع أن أقول إن الأسباب تعود إلى عدة عوامل متداخلة ومتشابكة، وتؤدى كل منها إلى الأخرى مثل دوائر التعاون، وهذه الدوائر الخمس هي: المجتمع والأسرة والسيدة الحامل والطبيب والنظام الصحى المصري.
أولا: المجتمع المصري
نقص الثقافة الصحية بصفة عامة، وعدم تقبل المجتمع للمضاعفات الطبية فى الحدود والظروف المتعارف عليها دوليا، وشعور الأطباء بأن المجتمع يتربص بهم، وأنه لا أحد يحمى الطبيب، من التشهير به وملاحقته قانونيا، بل حبسه احتياطيا وكأنه مجرم، عند حدوث أى مضاعفات للأم أو المولود. وهذا ما دفع الأطباء إلى اللجوء إلى ما يسمى بالممارسة الطبية الدفاعية (Defensive Medicine)، وإلى الممارسة الآمنة وعدم المجازفة واختيار سهل الطرق وهو الولادة القيصرية.
ثانيا: الأسر المصرية
مصاحبة الأسرة المصرية للسيدة أثناء الولادة، وإن كان له آثار نفسية طيبة على السيدة، ويؤدى إلى شعورها بالثقة والطمأنينة، إلا أن تواجد أعداد كبيرة من أهل الزوج والزوجة، ومحاولتهم التدخل فى عمل الأطباء، والضغط على الأطقم الطبية لسرعة الانتهاء من الولادة، وتدخلهم عند معاناة وتأوه وصراخ السيدة التى تلد (وهى عادة مصرية موروثة)، وفى حالة التسيب الأمنى فى عدد غير قليل من المستشفيات المصرية، ومع تكرر الاعتداء اللفظى والبدنى على الأطقم الطبية، كل ذلك دفع الأطباء إلى اتخاذ أقصر الطرق وهو الولادة القيصرية.
ومن ملاحظاتنا لمعدلات الولادة فى مستشفيات جامعة المنصورة، اتضح أن أعلى المعدلات للولادة القيصرية حدثت فى الأوقات التى غاب فيها الأمن بصفة عامة.
ثالثا: السيدة الحامل والمقبلة على الولادة:
ارتفعت فى السنوات الأخيرة، وعلى نطاق واسع، وبمباركة من جمعيات حقوق المرأة، معدلات الولادة القيصرية التى تطلبها السيدة بنفسها قبل مجىء الأم الولادة، وأصبحت الرغبة فى الولادة القيصرية من أهم مسببات زيادة المعدل العام للولادات القيصرية.
ومن الملاحظ أيضا، أن معدل الولادات الطبيعية أعلى فى الريف عن المدن، وبين غير المتعلمات عن المتعلمات، وبين الطبقة المتوسطة عن الطبقات الأعلي. وأن هناك تفاخرا بين السيدات على الولادة القيصرية عند مشاهير الأطباء وفى مستشفيات خاصة وبتكلفة باهظة.
رابعا: طبيب النساء والتوليد
بدون شك يشارك زملاء المهنة فى نسبة غير قليلة من أسباب الزيادة غير المبررة فى معدل الولادات القيصرية فى مصر حديثا. 
وكلما كان الطبيب منهكا ومشغولا طوال الوقت، ويعمل فى أكثر من مكان، وفى القطاعين العام والخاص معا، ويعمل تحت ضغط من المجتمع، ومهددا دائما بالتشهير به والملاحقة القانونية، فإنه سوف يلجأ إلى الممارسة الدفاعية، ويلجأ إلى المضمون وهو الولادة القيصرية. خاصة إذا كان ذلك يلقى ترحيبا من السيدة الحامل وأسرتها، ويحقق له دخلا أكبر من الولادة الطبيعية التى تستغرق وقتا أطول وقد تنتهى فى النهاية إلى ولادة قيصرية، وعندها سوف يلام الطبيب بأنه أرهق السيدة نفسيا وصحيا وماليا!
خامسا: النظام الصحى المصري
التأخر فى إنشاء نظام التأمين الصحى الشامل، وعدم تطوير مستشفيات التوليد فى الجامعات ووزارة الصحة، وعدم وجود برنامج تدريبى موحد لأطباء النساء والتوليد، وعدم وجود خدمة التخدير وعلاج الألم فى أقسام التوليد، وعدم تواجد المولدات المؤهلات (Midwives) والمدربات على مهارات الولادة الطبيعية، كل هذه العوامل كان لها عظيم الأثر فيما يحدث فى صحة المرأة المصرية بصفة عامة وفى معدلات الولادة القيصرية بصفة خاصة.
ويجب الإشارة هنا إلى أن إدخال خدمة تواجد أطباء التخدير وعلاج الألم على مدار الساعة داخل أقسام التوليد، وتواجد المولدات المؤهلات (درجة البكالوريوس فى التوليد)، هذان العاملان فقط كفيلان بخفض نسبة الولادة القيصرية فى مصر إلى المعدلات العالمية المقبولة، وللحديث بقية.