الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ما أنجزته مؤتمرات الشباب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحد أهم التحديات التى واجهت الدولة المصرية عقب ثورة 30 من يونيو عام 2013، ما وصفت بأزمة انعدام الثقة بين الدولة والشباب، وقد صور بعض المثقفين والسياسيين الأمر على أنه عجز من الدولة ومؤسساتها عن إدارة حوار مع الفئة العمرية التى تمثل نحو 60% من تعداد المصريين.
حينها كان يتصدر المشهد خطاب ثورى تبنته مجموعات وحركات ظاهرها الثورة على الاستبداد وباطنها التحريض على المزيد من العنف والفوضى ضد مؤسسات الدولة الوطنية، وبرزت وجوه أفرزتها أجواء يناير 2011، تم تسويقها باعتبارها النموذج الأوحد للشباب المصرى.
وكان من الطبيعى أن تتفاعل شريحة من الشباب مع ظاهر ذلك الخطاب الحماسي، وهو ما منحه نوعا من شرعية الوجود، وبدلا من أن يتدخل الساسة والمثقفون لإحداث توازن بين متطلبات الثورة ومقتضيات الدولة، راح بعضهم يسكب الزيت على النار غير عابئ بما كان يواجهه الوطن من تهديدات إرهابية، تجسدت فى عمليات استهدفت دور العبادة ورجال الشرطة والجيش والقضاء.
وحاول بعضهم استغلال صدور قانون تنظيم التظاهر لتعميق الفجوة بين الشباب والدولة وتحريضهم على تحدى القانون الذى كان الخطوة الأولى نحو استعادة هيبة الدولة وفرض سلطة القانون؛ وصدروا خطابا يعزز الشعور العام بعدم قدرة الدولة على فهم الشباب، بل ويروج إلى أن الدولة ومؤسساتها قد دخلت فى حالة معاداة صريحة للشباب، ومن ثم خصومة أبدية مع المستقبل.
وتماهى أغلب شباب الأحزاب السياسية والجامعات الذين انخرطوا بشكل أو آخر فى انتفاضة يناير 2011، وكانوا جزءا من ثورة الثلاثين من يونيو مع خطاب الفتنة، فمن ناحية ليس من الطبيعى أن يتجاوب الشباب مع الخطاب السياسى الرسمي، كما أن أغلبهم لم يتلق تنشئة سياسية سليمة داخل أحزابهم سواء القديمة أو تلك التى تأسست بعد أحداث يناير 2011.
فى الوقت نفسه، نشطت الدعاية السوداء لجماعة الإخوان وحلفائها من جماعات الفوضى ووجدت الدولة المصرية نفسها أمام معضلة حقيقية، ولم يكن الأمر بالنسبة لها سهلا، فأمامها طريق طويل عليها المضى فيه حتى تتمكن من بناء جسور ثقة جديدة، وعلى أسس حديثة تجمع بينها وبين رجال المستقبل.
البرنامج الرئاسى لتدريب الشباب كان حجر الأساس، ومع ذلك ظل كثيرون يشككون فى نوايا الدولة، وذهب البعض إلى تشبيهه بالتنظيم الطليعى أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فيما اعتبره آخرون نواة لتأسيس اتحاد اشتراكى جديد بنسخة معاصرة تسعى لتدشين حزب وطنى جديد.
نفس الدعاية السوداء طالت مؤتمرات الشباب، لكنها لم تنل من عزم الدولة وإصرارها على إتمام استراتيجيتها، ليس فقط لتأسيس علاقة جديدة مع الشباب قوامها الثقة والمصداقية، وإنما لبناء جيل قادر على الحوار والمشاركة فى عملية التخطيط والبناء، تمهيدا لقيادة دفة المستقبل.
المتأمل بنوع من النزاهة والتجرد لأول بندين من توصيات المؤتمر الوطنى للشباب فى نسخته السابعة، يدرك أن ما ذكرته عن استراتيجية الدولة تجاه الشباب ليس مجرد «إنشاء» أو كلمات مرسلة، ويؤكد أن الدولة، رغم ما قد يوجه من انتقادات لبعض سياساتها وقراراتها جادة بشأن صناعة المستقبل بشباب قادر على الإدارة الرشيدة إذا حكم، وعلى المعارضة الواعية تحت سقف مصالح الوطن العليا. 
فقد جاء البند الأول من توصيات المؤتمر التسع، كثمرة ناضجة للمؤتمرات واللقاءات التى جمعت بين الرئيس والشباب.
حيث نص على تحويل نموذج محاكاة الدولة المصرية إلى حالة حوارية دائمة من خلال تشكيل مجموعات عمل من شباب البرنامج الرئاسى وشباب الأحزاب والسياسيين وشباب الباحثين والجامعات المصرية، لتكون على اتصال دائم بالحكومة ومؤسسات الدولة فى كل ما هو مطروح للنقاش على أجندة العمل الوطني.
وهو ما يعنى منح فرصة هى الأولى من نوعها لجميع الشباب بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم الاجتماعية والسياسية، للتدرب على الدخول فى حوار فعال فيما بينهم بعضهم البعض من ناحية، وبينهم وبين الحكومة من ناحية أخرى، وأهم ما يميز هذا الحوار أنه سيدور حول أمور يجرى مناقشتها فعليا داخل أروقة الحكومة.
هذا النوع من الحوارات يكسب الشباب معرفة بطبيعة الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تحيط بمختلف قضايا الوطن، كما يجعله على دراية بطبيعة التحديات التى تواجه الحكومة على أرض الواقع.
ويأتى البند الثانى للتوصيات التسع مكملا ومتمما للدور المنوط به البند الأول؛ فقد نص على «تشكيل مجموعات عمل شبابية معاونة لجهات ومؤسسات الدولة لمتابعة وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى على أن تبدأ بالعمل فورا تحت إشراف رئاسة مجلس الوزراء والوزارات المعنية».
انخراط الشباب وشباب الأحزاب تحديدا فى مثل هذه المجموعات يجعلهم يقتربون بشكل عملى وبصورة واقعية من أسلوب عمل الحكومة ومنهج تنفيذ ومتابعة المشروعات التى تقوم بها.
هاتان التوصيتان تؤهلان الشباب للمشاركة فى عملية صناعة القرار، سواء كانوا فى مكان الحكومة أو المعارضة، ولكن هذه المرة استنادا إلى رصيد معرفى أسس على قواعد منهجية وعلمية تعتمد على المعلومة وفهم الواقع ومعرفة الممكن والمتاح.
للمؤتمر تسع توصيات لكن مسارعة الحكومة إلى تنفيذ هاتين التوصيتين تحديدا يسهم فى إنعاش الحياة الحزبية المصرية؛ حيث ستوفر فرصة تدريب وتخطيط لشباب الأحزاب، وهو ما سينتج لنا فى المستقبل الوزير السياسى الذى طالما شكونا من غيابه واضطرار الدولة دائما إلى الوزراء التكنوقراط، ولن نسمع بعدها معارضا يصيح بشعارات جوفاء لكننا سنجد المعارض الذى يقدم الحلول والبدائل.
نصيحتى لكافة الأحزاب السياسية المصرية الهرولة للانخراط فى هذه التجربة الفريدة من نوعها، ولا تفوت الفرصة على نفسها فى اكتساب كوادر سياسية مؤهلة قادرة على إقناع الرأى العام، وكسب تأييده فى أية استحقاقات انتخابية، فها هى الدولة تستجيب لمقتضيات بناء دولة ديمقراطية حديثة تقوم على التعددية وتداول السلطة. 
Ali.elfateh2017@gmail.com