الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من أجل امرأة سعيدة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من لا يأكل مما يزرع لا تحق له الشكوى من شروط الإمداد بالطعام، ومن لا يجيد الدفاع عن نفسه يجب أن يتعود على البعد عن الأقوياء.. تلك قوانين بشرية استطاع البشر أن يدعموها مرة تلو المرة تاريخيًا وبعادات وتقاليد يتم ترسيخها يوميًا بأساليب مجتمعية وعرفية تستطيع أن ترى ذلك فى علاقة المجتمعات بالمرأة التى كثيرًا ما رأتها كائنًا ضعيفًا يحتاج للمزيد من الرعاية والاهتمام حتى لا تتغول عليه فئات المجتمع وتجبره على أن يعيش حياة مزعجة.
خصصت الأمم المتحدة الكثير من أعمالها لمناهضة العنف ضد المرأة مثلًا، بل وإنها اعتمدت تعريفًا لهذا العنف يرى أنه: «أى اعتداء ضد المرأة مبنى على أساس النوع، ويتسبب فى إحداث إيذاء أو ألم جسدي، أو نفسي، ويشمل أيضًا التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفى للحريات، سواء حدث فى إطار الحياة العامة أو الخاصة» وتشير الدراسات إلى أن كون المرأة كائنًا مرغمًا على الكثير من الأشياء فى حياته هو السبب الكبير فى الكثير مما تتعرض له النساء ليس فقط العنف ولكن انعدام الفرص فى الكثير مما يطمحن له.
ما زلت أذكر كلمات غادة السمان: «يجب أن نحرر المرأة من المرأة» إذ رأت هذه الكاتبة أن المرأة منذ أن تولد تشعر أن فاكهتها كلها بيد آخرين، ولا تستطيع حتى أن تختار هذه الفاكهة، بل إنها تتلذذ بكل ما يُعطى لها كأنه هبات وعطايا وليست حقوقا، فالتعليم مثلًا حق لكنه فى بعض المجتمعات البدوية منة تظل الفتاة أسيرة فضلها طوال العمر لذا رأت السمان أن تحرير المرأة يجب أن يبدأ من داخلها بتثقيفها ثقافة تجعلها ترى حقوقها وتمارسها بحرية وسعادة.
وفى كتاب للفرنسية مانويلا عن مصر فى السبعينيات ذكرت أن نساء مصر يتمتعن بحرية لا توجد فى الكثير من الأقطار العربية، ولفت نظرها أن المصريات يمارسن هذه الحقوق بتلقائية دون شعور بأنها هبة موهوبة لهن دون حق، وذكرت من بين هذه الحقوق الخروج للتعليم والعمل، واختيار شريك الحياة، والتصويت الانتخابي، والترشح فى الانتخابات. تفوقت المرأة المصرية على قريناتها حاليًا بإطلاق عام خاص بها للاهتمام بشئونها أسفر عن تطوير لحياتها فى كافة المستويات أمنيًا وثقافيًا وسياسيًا حتى أن الحكومة المصرية مؤخرًا أطلقت حملة للكشف المجانى على المصريات من أجل الاطمئنان على سلامة صحتهن. 
ظهر فى العصر الحديث عدد من الأفكار تهدف لتحقيق اكتفاء ذاتى للمرأة من أجل ممارسة أفضل لحياتها، منها دعوات تجنيد المرأة إلزاميًا، إذ يرى أصحاب هذه الدعوات أن التجنيد سيكسب النساء صلابة جسدية على أثر الالتزام بعدد من التمارين المحددة مسبقًا والتى تلائمهن، كما أنه سيعودهن على الخروج للحياة فى الظروف القاسية بل وتحمل مسئوليتهن كاملة فى ظل حماية كافية يتم تجهيزها من أجلهن خصيصًا، كما أنهن سيشعرن بقوتهن الحقيقية عن طريق اكتشاف القوة التى يمكنهن أن يقدمنها لوطنهن من أجل بنائه والدفاع عنه سينتج عن ذلك من وجهة نظرهن المزيد من تقدير الذات والثقة بالنفس ومن ثم شخصيات قوية سوية تحب الوطن وتستطيع أن تمارس حياتها بسعادة وشجاعة وتحصل على حقوقها فى صيغة تعاونية تحترم كافة الأطراف الأخرى فى المجتمع إذ تساعد الحياة العسكرية على غرس مبادئ المساواة واحترام الجماعة فى كل أشكالها ومن ثم تستطيع هؤلاء النساء أن يدافعن عن أنفسهن قبل أن يدافعن عن غيرهن بعد أن يشعرن بقوتهن الداخلية ويستغللنها لصالح الوطن الذى هو كل حقوقهن مجتمعة.
وفى ذات الصدد دعا البعض لإضافة مناهج خاصة بالدفاع عن النفس فى المراحل الدراسية المختلفة بالنسبة للفتيات، على أن تتم مراجعة هذه المناهج بحيث تتتناسب بدقة مع التكوين الجسدى الأنثوى للفتيات، وكذلك مع طبيعتهن الأنثوية التى يجب ألا تصبح عنيفة، لكنها مناهج تجعلهن قادرات على مواجهة أية أضرار قد تجعل من ضعفهن نقمة قاتلة، فالفتاة التى تجيد الدفاع عن نفسها تستطيع أن تعيش فرصًا أكثر فى حياتها بأمان، دون أن تعتمد على أحد قد ينتقص من حقوقها كمقابل يفترض الاقتراح أن يكون الخضوع لهذه المناهج إلزاميًا، وأن يصبح اجتياز اختباراتها بنجاح شرطًا للانتقال للمرحلة الدراسية التالية. 
إن كل هذه الأفكار تهدف إلى تحقيق هدف أساسى هو أن تعتمد المرأة على نفسها، فالإنسان الذى لا يعتمد على نفسه لا يتمتع بحرية الاختيار، ولا يعنى هذا تغيير الأدوار الاجتماعية التى تعارف عليها المجتمع، لكنه يهدف لأن تتم هذه الأدوار بالتراضى دون أن يتغول أى طرف على الآخر أثناء قيامه بدوره، ودون أن يسرق أحد حقوق الآخر، ومن ثم يقل العنف، ويزيد السلام المجتمعى وتصبح النساء قادرات على الحصول على حقوقهن حين يقل ضعفهن، وأن تصبح منظومة المجتمع مكتملة الأركان يعمل فيها الجميع بقوة وسلامة، وفى كل المجالات. تصبح المحصلة مجتمعًا قويًا لا يقهر فيه أحد أحدًا ولا يزعج فيه أحد أحدًا أثناء ممارسته لحياة مشروعة.