الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«لبيك اللهم لبيك»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك.. لا شريك لك لبيك».. بهذه الكلمات يهتف ملايين البشر فى شتى بقاع الأرض بعد أيام قلائل تزامنًا مع أيام الحج المباركة، مشاركين إخوانهم حجاج بيت الله الحرام، فى إشارة واضحة وصادقة لتوحيد المولى سبحانه وتعالى وطلب محبته ورضاه.
بهذه الكلمات التى تعبر عن توحيد الله وإفراده بالعبودية الخالصة له سبحانه من عباده الراغبين فى محبته وعفوه وكرمه.
هذه الكلمات تعبر عن تنزيه الخالق وتسبيحه وتعظيمه وتقديسه، إنها صورة واضحة لمعرفة الله تأتى من عباد مذنبين مقصرين جاءوا تائبين منيبين لربهم، يرجوون عفوه ويخشون عقابه.. اعترافًا منهم أنه الخالق الرازق المعطى المانع الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير، واهب الحياة ونازعها.
لبيك يالله تواضعًا وخضوعًا وعبودية.. لبيك يالله حبًا وإخلاصًا، لبيك يالله طاعة وخشوعًا، لبيك يالله طمعًا ومحبة ورجاء ورهبة.
وتتضمن التلبية، حمدًا لله عز وجل والاعتراف بنعمه وفضله.. والاعتراف بأن الملك كله لله وحده دون سواه، فلا ملك لغيره.. ويشعر الحاج وهو يلبى بترابطه مع سائر المخلوقات حيث تتجاوب معه فى عبودية الله وتوحيده.
ومن أهم ما يميز فريضة الحج عن غيرها من فرائض، أنها تختص بمكان وزمان محددين، وهذا بسبب تجمع ملايين البشر المسلمة فى نفس الزمان والمكان فى واحدة من أقدس بقاع الأرض فى رحلة جماعية عظيمة هدفها عبادة الله والإقرار له بالوحدانية والعبودية.
والحج شعار التوحيد، وفيه تربية للنفس على توحيد الله والإخلاص له.. فالحاج يبدأ حجه بالتوحيد، ويلبى بالتوحيد، وينتقل من عمل إلى آخر بالتوحيد حتى ينتهى من حجه.
فما بين العام والعام، يتجدد اللقاء فى فريضة الحج، ومع اللقاء تتجدد البيعة بين المسلمين ورب الأرض والسماء.. ولسان حال حجاج بيت الله، دعوتنا يا الله فأجبناك، وجئناك من كل فج عميق، محملين بذنوب كثيرة.. معترفين بتقصيرنا، جئناك بقلوب خاضعة منكسرة، فليس لقلوبنا من جابر إلا أنت، ولا لذنوبنا من غافر إلا أنت بالله.
والحج فريضة، والركن الخامس من أركان الإسلام، وواجب على من استطاع إليه سبيلًا مرة واحدة فى العمر، أيامه معدودة ووقته محدد وكذلك مكانه.. والحج المبرور مغفرة للذنوب وعودة للمسلم كيوم ولدته أمه ليفوز بالجنة.. وفى كل عام تتجدد الدروس المصاحبة لفريضة الحج.. ومن هذه الدروس، تنفيذ أمر الله عز وجل، سواء علمنا الحكمة منه أم لم نعلم، والأخوة والوحدة بين المسلمين، وأن تتوحد قلوبهم ومشاعرهم، والتعارف بين الحجاج، وتناقل ثقافات وعادات ومشكلات الشعوب الإسلامية فيما بينها ومراقبة الله عز وجل فى جميع شئون الحياة فالمسلم يستشعر رؤية الله له فى هذا الركن العظيم، لذا تعد رحلة الحج رحلة تدريبية على الإحساس بالمهابة من الله تعالى، وتطبيق ذلك على سائر شئون الحياة، وأيضًا التحلى بمكارم الأخلاق فقد ورد فى القرآن الكريم قوله تعالى فى سورة البقرة: «الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب».. فيتعلم المسلم الصبر وكظم الغيظ لما يتعرض له خلال الرحلة المقدسة من حر وزحام شديدين وتعب وإرهاق كما يتعلم الحاج الكرم والعفو عن من أساء، والرحمة والحلم، والعطف على المساكين وكبار السن والمرضي.. فضلًا عن استدامة ذكر الله عز وجل على الدوام فالحج كلّه ذكر لله سبحانه وتعالى فمن شعر بالأنس بخالقه يستحيل أن يفرط به، وأيضًا من دروس الحج كثرة الدعاء إلى الله تعالى فى كل وقت وحين وشكره تعالى على نعمه ومعرفة قيمة الوقت والاستفادة به على الوجه الأكمل، ودفع الشيطان ومقاومته وعدم اتباع وساوسه وخطواته ولبس ثياب الإحرام يذكر العبد بكفنه الذى سيلبسه عند موته، كما أن السفر إلى البيت الحرام يشعر المسلم بالرحلة الأخيرة والعودة إلى الله عز وجل يوم القيامة، والوقوف على أرض المحشر للحساب.. حفظ الله أرض العرب والأمة الإسلامية من خطر الفرقة والتقزم وكل عام وأنتم بخير.