لا أجد تفسيرا لهذه الواقعة المريبة التى شهدتها منطقة وسط البلد فى شارع عدلى والتى راح ضحيتها شاب بسبب سرقته علبة كانز مياة غازية «حاجة ساقعة» ولم يدفع ثمنها، فما كان من أصحاب المحل الماركت أن قاموا بسحبه وتوثيقه بالحبال وطرحوه أرضا وأنزلوا فيه عقابا وضربا مبرحا لا يتحمله بشر حتى توفى بعدها فى الحال ثم تركوه بجوار المحل!
وحدثت هذه الوقائع فى وضخ النهار وأمام المارة من الناس وأمام الجيران من المحلات المجاورة دون أن يتحرك أحد أو تهتز لهم شعرة وكأن الإحساس انقطع فجأة منهم بالرغم من وقوع المحل بالقرب من المعبد اليهودى ومنطقة وسط البلد التجارية المزدحمة وبالقرب من نادى القضاة ونقابتى الصحفيين والمحاميين، الأمر الذى كشف برأيى العديد من الدلالات التى ينبغى طرحها فى هذا المقال أولها هى لا توجد أسباب للضرب المبرح للشاب الذى ربما دعته الظروف القاسية وفقره الشديد لتناول زجاجة مياه غازية لشعوره بالعطش فى هذا الجو شديد الحرارة والرطوبة وليس معه المال فهل يستحق التوثيق بالحبال والضرب المبرح المميت من خلال ثلاثة شباب مفترض أنهم متعلمون وليسوا جهلاء يعلمون خطورة هذا الفعل وهو التوثيق لمجرد سرقة علبة كانز لا تساوى 5 جنيهات!
الأمر الآخر هو جنون المجتمع وعنفه فى التعامل مع صغائر الأمور مثل القتل لأتفه الأسباب مثل علبة كانز أو مياه معدنية أو علبة سجائر أو القتل لأجل موبايل أو القتل لأجل ديون تبلغ ٥٠ جنيها أو ١٠٠ جنيه والقتل بسبب أسبقية ركن السيارة فى مكان ما أو التحميل من موقف الميكروباص قبل الآخر حتى أصبحنا مجتمعا عنيفا يلجأ الى العنف وليس القانون فى معظم الأحيان حتى يحصل على حقه وهو مؤشر خطير فى المجتمع!
الأمر الآخر الذى كشفت عنه هذه الواقعة البشعة هو شعور البعض من المواطنين أن القانون لا يخدم إلا الأغنياء فقط مع شعورهم الدائم بالإحباط بسبب حالة التناقض التى يعيش فيها من وجود بطالة وفقر كبيرين فى المجتمع من ناحية وإعلانات لشقق وفيلات بالملايين وأطعمة شهية وملابس بآلاف الجنيهات لدرجة أن أى شاب يفكر فى الزواج والاستقرار لا بد أن يدخر اثنين مليون جنيه لشراء شقة باللوازم وتكاليف المعيشة التى أصبح فوق طاقة الغالبية من الناس، الأمر الذى جعل البعض يتجه إلى تجاوز القانون فى بعض الممارسات لا سيما أن هناك ما يقارب ٥٠ ألف حكم قضائى لم ينفذ حتى الآن!
الأمر الثانى وهو تصالح الذين سرقوا المال العام وبراءتهم من تهمة السرقة والتربح من المال العام دون أن يتم محاكمتهم بل قاموا بدفع المال المستحق عليهم فقط وهذا ربما يشجع البعض على تجاوز القانون بشكل ما ثم التصالح وعدم السجن أسوة بالآخرين من رجال الأعمال!
كما كشفت الواقعةعن حالة السلبية واللامبالاة التى أصبحنا فيها وغياب الشهامة والمروءة والرجولة فلم يهتم أحد من المارة أو جيران محل السوبر ماركت بإنقاذ الشاب من براثن أصحاب المحل الذين ظلوا يضربونه ويركلونه بعنف وقوة حتى الموت بسبب شيء ذهيد الثمن وهى علبة كانز! أو حتى التكفل من أحدهما بالتبرع بدفع ثمنها من جيبه وأنها المشكلة على الفور حقنا للدماء إلا أن هذا لم يحدث حتى توفى الشاب!!
وهذا مؤشر خطير فى المجتمع بعدما انتزع الرحمة من قلوب البعض ولا يوجد تحت أى ظرف ما يبرر فعلهم هذا المشين، لأن الرحمة فوق كل شيء.. ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء!