الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الرسوم المتحركة.. سلاحنا المتكاسل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعتبر الرسوم المتحركة أحد أقوى الوسائل التى تؤثر على العقول والقلوب منذ الصغر، فهى تشكل الوعى، وتخلق لدى الأطفال الصورة الذهنية حول الأشياء، ويمكنها أن تبث القيم والعادات والأخلاقيات أو تنزعها!!.. لذلك اهتمت بها الدول الكبرى التى غزت شعوب الأرض من خلالها.. والغريب أن مصر كانت من أوائل الدول التى استخدمت الرسوم المتحركة منذ اختراعها، ولكن تراجع الأمر تدريجيًا حتى أصبحنا نعتمد بشكل شبه كلى على تمصير الرسوم المتحركة الغربية أو دبلجتها!!.. ويحسب للعديد من الدول العربية - والخليجية على الخصوص- اهتمامهم البالغ بفن الرسوم المتحركة وغيره من فنون الطفل، وإنشائهم لقنوات مخصصة للأطفال منذ التسعينيات، وهو ما جعلهم يدخلون كل البيوت، وأصبحنا نرى أطفالنا فى بعض الأحيان يستخدمون كلمات من اللهجة الخليجية!!.
وعن التجربة الروسية فى الرسوم المتحركة تناولت إحدى الدراسات فى جامعة جنوب كاليفورنيا عام 2015، كيف يمكن للرسوم المتحركة تشكيل صورة بلد ما.. حيث أعدت الباحثة الروسية «آنا فيليكايا» دراسة بعنوان «هل يمكن للكارتون أن يفوز بقلوب؟».. وضربت مثالًا عن الرسوم المتحركة التى أنتجتها والت ديزني، واليابان (الإنمى اليابانى)، واللذان استطاعت الدولتان من خلالهما تشكيل الصورة الذهنية للصغار والكبار.. وأوضحت أنه كما يشكل الأدب الصورة الذهنية للدولة التى يمثلها، فيمكن للكارتون أن يحقق نفس الشيء..وهذا ما يجعل الدول التى تعتمد على إنتاج الرسوم المتحركة الوطنية قادرة على جذب الجماهير الأجنبية.. وعن تأثير «الكارتون» الروسى قالت: «قبل عدة سنوات، أظهر لنا أستاذى فى الفصل الأسبانى رسما كاريكاتوريا روسيًا من مجموعة ميخائيل باريشنيكوف «قصص من طفولتى بعنوان «قيصر سالتان» (1983) مترجمة إلى الإسبانية..وبمشاهدة هذه الرسوم الكاريكاتورية المألوفة بالنسبة لي، من وجهة نظر لغة أخرى، وجدت أنها يمكن أن تجذب المشاهدين الأجانب غير المعتادين على بلادنا، ويمكن أن تصبح الخطوة الأولى فى فهم الثقافة والتقاليد الروسية.. لقد أوضح لى أن تصدير الكارتون يمكن أن يكون أداة فعالة فى معركة القلوب والعقول.. وفى أوائل عام 2000، كنت أدرس فى مقدونيا، وفوجئت عندما علمت أن الرسوم السوفييتية كانت شائعة بين زملائى فى الدراسة، حتى أن أحد أصدقائى الألبان تساءل عما تعنيه كلمة End «النهاية» باللغة الروسية)، كما كان مكتوبًا دائمًا فى نهاية سلسلة الرسوم المتحركة «Nu»، «pogodi لقد كان لديه فضول حول هذا الأمر منذ طفولته، لذلك فغالبًا ما تشكل الرسوم المتحركة التى يشاهدها الأطفال انطباعهم الأول عن بلد آخر وسكانه».. وذكرت الدراسة أن الرسوم المتحركة أحد أقوى أدوات القوى الناعمة التى اعتمدت عليها روسيا.. وأن أوروبا تشهد تصاعدًا للوجود الثقافى الروسى، ليس فقط من خلال الثقافة الكلاسيكية مثل: الباليه أو الأدب أو العروض الموسيقية، ولكن من خلال الثقافة الحديثة أيضًا مثل: الرسوم الكاريكاتورية الشهيرة والرسوم المتحركة، كمسلسل «ماشا والدب» الذى تم ترجمته إلى ست لغات أجنبية، وحقق أكثر من مليارى مشاهدة على اليوتيوب، مما يجعله من أكثر مقاطع الفيديو انتشارًا، واستطاع أن يصبح أحد الدعاة البارزين للقوى الناعمة الروسية من خلال هذه المخلوقات الصغيرة (ماشا والدب)، واللذان حققا أهداف القوة الناعمة الروسية أكثر من ملايين الدولارات التى تم إنفاقها فى الحملات التجارية، حتى أن أدرجت المجلة الأمريكية Animation Magazine الخاصة بأفلام الكارتون، أدرجت «ماشا والدب» فى قائمة الأفلام التى قد تصبح من كلاسيكيات المستقبل.. ونشرت المجلة المذكورة القائمة التى تضم 250 فيلم كارتون فى موقعها على الإنترنت..وكان «ماشا والدب» المسلسل الروسى الوحيد فى تلك القائمة.. وقد أحرز هذا المسلسل الروسى شعبية واسعة فى بريطانيا وإيطاليا، والولايات المتحدة ونال جائزة Kidscreen فى فئة «أفضل رسوم متحركة» عام 2015 حيث أصبح أول مشروع روسى للرسوم المتحركة يحصل على جائزة فى القطاع التجاري.. والجدير بالذكر أن «ماشا والدب» يُعرض منذ عام 2009، وتستغرق كل حلقة منه خمس دقائق.. ولكن استطاعت روسيا من خلاله غزو قلوب وعقول الملايين حول العالم.. ورغم أن إنتاج الرسوم المتحركة الروسية ليس جديدًا، حيث كان منتعشًا منذ خمسينيات القرن الماضى، حتى أن الرسام اليابانى الشهير «هاياو ميازاكي» الذى يعد من أهم فنانى الرسوم المتحركة قال إن النسخة السوفييتية من (ملكة الثلج) عام 1957 كانت سببًا لإلهامه العمل فى الرسوم المتحركة.. ولكن تزامنت الفترة التى أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتى مع تدهور الرسوم المتحركة الروسية، ولكنها بدأت تنتعش فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى مع إنشاء فيلم (العجوز والبحر) الحائز على جائزة الأوسكار عام 1999، وفى عام 2000 أنتج صانعه ألكسندر بتروف، التحفة الفنية الأخرى «حبي» المستوحاة من قصة تورغينيف «الحب الأول» (والذى رشح لجائزة الأوسكار).. وهو ما يؤكد إدراك روسيا للدور الذى تلعبه الرسوم المتحركة، التى تعد أداة مهمة للقوى الناعمة، لذلك تحرص أن تعتمد أفلامها ومسلسلاتها للرسوم المتحركة على القيم الأخلاقية، وتقدم صورة إيجابية عن المجتمع، مع توظيف كل العناصر الفنية والتكنولوجية ببراعة وإبهار..فعلينا أن نتخذ من روسيا نموذجًا، ولا نترك عقول وقلوب أبنائنا فى أيدى غيرنا ونحن غافلون.