الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تولستوي وماهية الموسيقى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كانت المصادر الأولى لتكوين «تولستوي» الفكرى والثقافى مستمدة من النظم الفرنسية التى كانت سائدة فى القرن الثامن عشر، وبرزت أعماله الأدبية محاولة للكشف عن تركيب الحياة الداخلية للإنسان وتفاعلاتها. وحينما قال: «إن حياتك تمر فى حضرة الموت، فإذا كنت تعمل من أجل مستقبلك الخاص، فإنك تعرف بنفسك أن الشيء الوحيد الذى ينتظرك هو الموت». كانت أزمته الحقيقية هى الحياة التى أصبحت لا معنى لها، بحيث أدرك الإنسان أنه من المستحيل عليه أن يتوقف أو أن يعود إلى الوراء؛ ومن المستحيل عليه أيضًا أن يغمض عينيه أو يتجنب رؤية أنه لا يوجد أمامه سوى المتاعب والآلام.
لم يكن «تولستوي» رجل دين، لكنه نادى بمذهب أخلاقى فى الفن على الطريقة السقراطية، وحاول أن يحقق إصلاحات اجتماعية ودينية مبنية على المبادئ المسيحية. وفى كتابه: «ما الفن؟» نجد فقرة تجمع داخلها الآراء الجمالية الموسيقية لأفلاطون وأوغسطين ولوثر وكالفان. كما كانت هذه الفقرة تلخيصًا للآراء الجمالية ذات الطابع الأخلاقى عند السابقين عليه، يقول: «سوف يكون فن المستقبل مختلفًا كل الاختلاف، فى شكله وموضوعه، عما يسمى الآن بالفن. والموضوع الوحيد لفن المستقبل يرتكز على مشاعر تدعو الناس إلى التآلف. أما أشكال الفن فسوف تكون فى متناول الجميع». وفى موضع آخر يضيف «تولستوى قوله: «إن ألحان المؤلفين المحدثين خاوية تافهة إلى حد يبعث على الدهشة. ولكى يعمل هؤلاء الموسيقيون على زيادة التأثير الذى تتركه هذه الألحان الخاوية، تراهم يكدسون تحولات سليمة معقدة على كل لحن تافه، لا على النحو المعروف فى بلادهم فحسب، بل أيضًا بالطريقة المميزة لدائرتهم المقفلة ومدرستهم الموسيقية الخاصة».
وقد رأى «تولستوي» أن كل لحن حر يمكن أن يفهمه الناس جميعًا، لكن ما إن يرتبط بتوافق هارمونى خاص، حتى يغدو فهمه مقصورًا على الناس المدربين على مثل هذا التوافق؛ ويصبح غريبًا، لا على الناس العاديين من قومية أخرى فحسب، بل أيضًا على كل من لا ينتمى إلى الدائرة الخاصة التى عود أفرادها أنفسهم على أنواع معينة من التنظيم الهارموني. وعلى هذا النحو تدور الموسيقى كالشعر فى حلقة مفرغة. فالألحان التافهة التى تقتصر على دائرة ضيقة تثقل بتعقيدات هارمونية وإيقاعية وأوركسترالية لكى تزداد جاذبيتها، ولكن هذا لا يزيد نطاقها إلا ضيقًا؛ وبدلًا من أن تصبح مفهومة للجميع على نطاق العالم بأسره تعجز عن أن تكون مفهومة حتى على المستوى القومى ذاته، أى لا يفهمها الشعب كله، بل بعض الناس فحسب. 
من هذا المنطلق عبر «تولستوي» عن المبادئ الجمالية فى الحياة السوفيتية، وقد رأى أن الموسيقى ينبغى أن تكون واقعية لا مجردة أو منعزلة عن الشعب، وأن هذه الوظيفة قد ضاعت؛ لأن المؤلف الموسيقى لم يستغل كنز الألحان والأغانى والأنغام الشعبية، وكذلك الألحان الشعبية الراقصة التى يزخر بها الفن الخلاق لشعب روسيا.