الإثنين 06 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"أنف وثلاث عيون".. رواية تنتقد الأوضاع الاجتماعية.. وعبدالناصر يتدخل

أنف وثلاثة عيون
أنف وثلاثة عيون
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ألف الروائي الكبير إحسان عبدالقدوس روايته الضخمة "أنف وثلاث عيون" وبدأ نشر حلقاتها في مجلة روز اليوسف في العام 1964 وتحكي قصة طبيب وثلاث فتيات، يتعرف إلى الأولى "أمينة" المتزوجة وتنشأ بينهما علاقة لكنه يحاول أن يردها إلى زوجها ودائما ما تفشل محاولاته وتظل أمينة متعلقة به تمامًا، ويتعرف المتلقي من خلالها على مجموعة خياراتها الخاطئة رغم التحذيرات التي تلقتها من المحيطين، ويلتقي الطبيب بالفتاة الثانية "نجوى" التي تعاني من أسرتها، وتعيش مع رجل ينفق عليها، ثم الفتاة الثالثة "رحاب" التي تعتبر رمزا للفتاة المتحررة، تمارس حياتها وفق رغباتها، لا يمنعها من ذلك شيء، تتعاطى مع الحياة بجرأة، ولا تخشى أن تصطدم بأفعالها تلك مع المجتمع المحافظ، هذه الشخصية الأخيرة تقلق حياة الطبيب وتدفعه للتفكير في حياته بشكل جاد وحقيقي، ففي الوقت الذي يرفض تحررها فهو يدرك أنه السبب في يقظته والانتباه لحياته.
عالجت القصة موضوعات اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى، فالعمل وتحصيل المال، وتغيير الترتيب الطبقي في عهد الزعيم جمال عبدالناصر أدى لبروز ظواهر اجتماعية غريبة على المجتمع المصري، فالمجتمع المصري الذي يسبق ثورة 23 يوليو من العام 1952 لم يكن هو المجتمع الذي شهد زعيما يحكمه صعد من طبقة الفلاحين السمر، أبناء تلك الأرض، فهو بذلك يخلخل جذور مجتمع يأس في أن يحكم بلاده بنفسه، أيضا توزيع الثروة من خلال النظام الاشتراكي، وتوزيع ملكية الأرض من خلال قانون الإصلاح الزراعي ضمن الحياة لفئة كبيرة من الناس كادت أن تنتهي، كانت تعامل معاملة العبيد والأجرية، لقد أصبحوا أصحاب أرض، أصبحوا ملاك في الحقيقة.
يلتقط "إحسان" تلك التغيرات التي طرأت على المجتمع الجديد، لكنه يضع يده على التغيرات السلبية التي تحتاج لطبيب يقومها، فهو يواجه انحلال ساد في وقت ما، ليس بالضرورة انحلال إباحي يرتبط بالجسد، بقدر ما هو انحلال أخلاقي وقيمي، فهل يتحمل الرئيس عبدالناصر أن يعلن إحسان أن المجتمع وصل إلى حالة من الانحلال القيمي والأخلاقي؟
يبدو أن حلقات نشر القصة في روز اليوسف لم تعجب أحد نواب البرلمان الذي أثار القضية ورفع طلبا لرئيس المجلس آنذاك أنور السادات يطالبه بوقف نشر الرواية وعدم تمثيلها في الإذاعة والتليفزيون، وبالفعل تحدث أزمة آنذاك ويتهم البعض "إحسان" بنشره للرذيلة، ويقرر بعض النواب تحويل للكاتبة للنيابة والتحقيق معه، ويلجأ عبد القدوس إلى توفيق الحكيم وهو يجتمع بأعضاء لجنة القصة بالمجلس الأعلى للآداب والفنون فيطلب منه أن يسانده ويصدر رأيه في هذه الرواية، ثم يلجأ للكاتب الكبير يوسف السباعي بعدما تقدم البعض ببلاغات ضده يؤكد له أنه لو تم إحالتي للتحقيق كما العاهرات فسيذهب بعدي كل الأدباء للنيابة.
اتصل السباعي آنذاك برئاسة الجمهورية، ويبدو أن الزعيم كان قد اطلع على رواية "إحسان" فأمر بحفظ التحقيقات، وأوقف الأزمة التي تسبب فيها بعض المدعين والجهلة، وخالف الزعيم ما قد يظنه البعض من تكميم للأفواه، وانحاز للروائي إحسان عبدالقدوس في نشر روايته التي تنتقد أوضاع العصر الاجتماعية.
وتمر الذكرى الـ67 لقيام ثورة 23 يوليو التي انحازت للطبقات الفقيرة، ورفعت من شأن العمال والفلاحين، وتسببت في تغيرات جذرية تاريخية لشعوب العالمين العربي والإفريقي.