الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الثانوية العامة ومكتب التنسيق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التحق خالى رحمة الله تعالى بطب المنصورة فى ستينيات القرن الماضى بمجموع ٦٨٪، والتحقت أنا بنفس الكلية فى أول الثمانينيات بمجموع ٨٨٪، ثم التحق أولادى فى العشر سنوات الماضية فى نفس الكلية بمحموع ٩٨٪. واليوم كل المعطيات تدل على أن طب المنصورة سوف تقبل الطلاب الحاصلين على ٩٩٪ على الأقل. 
فماذا حدث؟ ولماذا زادت المجاميع بهذا المعدل الرهيب؟ وهل هذا انعكاس لتفوق الطلاب أم أنه دليل على سهولة الامتحانات؟
أسئلة لن تجد لها حلولًا، وكلها ظواهر لمشاكل التعليم المصرى المزمنة، ومن أهمها الثانوية العامة ومكتب التنسيق للقبول بالجامعات المصرية.
ورغم تضاعف أعداد السكان عدة مرات، وحدوث تغيرات هائلة فى المناهج وطرق التدريس والامتحانات، إلا أن الثانوية العامة ومكتب التنسيق قد بقيا كما هما، منذ أكثر من نصف قرن، أى أنهما قد أصبحا موروثًا جامدًا مثله مثل الآثار المصرية، لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن تغيير شكله أو إدخال أى تعديلات عليه.
وبنظرة عامة على الإحصائيات المعلنة من وزارة التربية والتعليم للعام الحالى، نجد أن عدد المتقدمين لامتحانات الثانوية العامة قد بلغ أكثر من ٦٥٠ ألف طالب، وقد أدى الامتحان منهم أكثر من ٥٥٠ ألف طالب، ونجح منهم أكثر من ٤٥٠ ألف طالب، كل منهم يبحث عن فرصته للالتحاق بالتعليم العالى من خلال المرور من مكتب التنسيق.
وبنظرة دقيقة على المجاميع ونسب النجاح للعام الحالى ٢٠١٩، نكتشف أن هناك تصخمًا كبيرًا فى الدرجات بنسبة غير مسبوقة، وليس لها مثيل فى أى دولة فى العالم؛ حيث حصل أكثر ٥٠٪ من الطلاب الذين أدوا الامتحان على ٨٥٪ أو أكثر، أى أن أكثر من نصف عدد الطلاب قد حصل على تقدير عام ممتاز، وهذا ما لا يتفق مع أى من المقاييس الدولية لمنحنى أداء الطلاب (المنحنى الجرسى للتوزيع الطبيعى للطلاب).
ليس هذا فحسب، بل حصل حوالى ١٧.٢٧ ٪ من الطلاب على مجموع ٩٥-١٠٠٪، وهى نسبة الطلاب المتفوقين جدًا (outstanding) ونسبتها العالمية حوالى ٢-٥٪ على أقصى تقدير. كما حصل ١٩.٥٪ على مجموع من ٩٠ إلى أقل ٩٥٪، و١٦.٨٪ على مجموع من ٨٥ إلى أقل من ٩٠٪.
فما الأسباب التى أدت إلى تضخم مجاميع الطلاب فى الثانوية العامة، والسؤال الأهم هو: كيف نطور من آلية عمل مكتب التنسيق مع الإبقاء عليه كضرورة اجتماعية؟
وأهم الأسباب التى أدت إلى تضخم مجاميع الطلاب عبر السنوات يرجع إلى عدة أسباب، أهمها:
١- ثبات طرق الامتحانات للثانوية العامة المصرية على ما هو عليه ودون أى تغيير منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، مما أعطى الفرصة للطلاب والمعلمين للتكيف والاستعداد للامتحانات والتدريب عليها وإعداد الإجابات النموذجية.
٢- اعتماد الغالبية العظمى من الأسئلة على المستويات الدنيا من التحصيل الدراسى، وهى التى تعتمد على الحفظ والاستذكار.
٣- إجهاض أى محاولة لإدخال أسئلة تقيس المستويات الأعلى من التحصيل الدراسى، مثل مهارات التفكير والتطبيق والنقد والتحليل والتركيب. والأخطر من ذلك هو إلغاء تلك الأسئلة وإعادة توزيع درجاتها إن هى ظهرت فى الامتحانات.
٤- شكاوى الطلاب وتدخل أولياء الأمور فى الامتحانات، وتشكيل لوبى فى وسائل الإعلام للضغط على الوزير المختص لإلغاء أى أسئلة تفرق بين الطلاب، ولذا تساوى غالبية الطلاب فى مستوى امتحان سهل ومباشر ويعتمد على الحفظ.
٥- تدخل السياسة فى التعليم، وتفضيل الحكومات المتعاقبة على إرضاء الجميع، والحفاظ على السلام الاجتماعى وتحقيق رغبات الطلاب وأولياء أمورهم على حساب القواعد العلمية والأصول التربوية.
٦- إلغاء التقويم المستمر (أعمال السنة) للطلاب فى الشهادات، وهذا نتج عنه أولا عدم حضور الطلاب إلى المدارس والاكتفاء بالدروس الخصوصية، وثانيًا الاعتماد على المجموع الكلى لامتحان آخر العام فقط.
٧- انتشار الدروس الخصوصية بصورة وبائية فى كل مراحل التعليم وبخاصة فى الثانوية العامة. وظهور مجموعة محترفة من المدرسين تتوقع الأسئلة وتنقلها للطلاب.
٨- محدودية الأماكن فى الجامعات، واعتبار الثانوية العامة هى عنق الزجاجة للدخول إلى الجامعة، مما خلف سباقًا محمومًا على الأماكن القليلة فى بعض الكليات.
٩- الغش فى لجان الامتحان على نطاق واسع وتسريب الأسئلة قبل بدء الامتحان، رغم الإجراءات الصارمة التى أدخلتها الوزارة، وأهمها نظام البوكليت.
١٠- عدم وجود فرص عمل حقيقية لخريجى معظم الكليات، فيما عدا عدد قليل جدا من كليات ما يعرف بكليات القمة، مثل الكليات الطبية (طب وطب الأسنان والصيدلة)، والكليات الهندسية (الهندسة والتعدين والاتصالات)، مما جعل التنافس عليها شديدًا جدًا، بينما قل الإقبال على كليات فى غاية الأهمية مثل كليات العلوم والزراعة والحقوق، نظرا لعدم توفر فرص للعمل بعد التخرج.
ويبقى التساؤل الأهم: هل يمكن تطوير مكتب التنسيق للقبول بالجامعات المصرية فى ظل الوضع الراهن؟ وهل يمكن إيجاد آلية عادلة بحيث تفرق بين الطلاب حسب مستواهم الحقيقى؟ وهل نعود مرة أخرى إلى أن يكون أول الثانوية العامة حاصل على مجموع ٩٠٪، وهل من الممكن أن يجد كل طالب حاصل على ٨٥٪ (أى أول تقدير الممتاز) مكانا له فى كليات القمة؟
والإجابة ببساطة هى نعم يمكن تحقيق ذلك بطريقتين، وهما أولا زيادة أعداد الجامعات لكى تتناسب مع أعداد السكان، وثانيًا تطوير آلية عمل مكتب التنسيق.
وحسب تعداد سكان مصر (١٠٠ مليون)، وحسب المعدلات العالمية وهى جامعة لكل مليون مواطن على الأكثر؛ فإن مصر بحاجة إلى إنشاء ٤٠ جامعة جديدة خلال العشر سنوات المقبلة.
ولتطوير مكتب التنسيق، فيمكن الاستعانة بخبرة الدول الأخرى، التى تمت تجربتها وقبولها من المجتمع، وكلها طرق موضوعية ليس فيها تدخل العامل البشرى، وليس من ضمنها أى مقابلات شخصية، أو خطابات توصية، أو أى بنود أخرى تعتمد على الواسطة والمحسوبية، وباقى الأمور التى عانى منها المجتمع المصرى، ورفضها جملة وتفصيلًا، بل وقبل بمساوئ مكتب التنسيق باعتبارها الأقل ضررًا، خاصة لأبناء الطبقة المتوسطة من المجتمع.
وأهم البنود التى يمكن إدخالها، والتى يمكن أن يتقبلها المجتمع المصرى، هى:
١- إدخال طرق أخرى غير المجموع الكلى للمفاضلة بين الطلاب مثل، إضافة درجات مادة أو مادتين إلى المجموع الكلى، فمثلا يمكن إضافة الأحياء والكيمياء إلى المجموع الكلى عند المفاضلة بالالتحاق بكليات الطب، وإضافة الفيزياء والرياضيات إلى المجموع الكلى عند الالتحاق بكليات الهندسة، وإضافة اللغات إلى المجموع الكلى عند الالتحاق بكليات الآداب والسياحة والفنادق والإعلام وهكذا.
٢- احتساب درجات أعمال السنة، وتخصيص ٢٠٪ (أو أكثر)، منها تضاف للمجموع الكلى، (مقارنة بـ٤٠٪ فى الدبلومة الأمريكية)، بشرط أن يجرى الامتحان فيها بطريقة موضوعية، ويفضل أن يكون اختبارًا إلكترونيًا موحدًا، وأن يعقد فى كل مدرسة على حدة.
٣- إدخال اختبار جديد يقيس مهارات متعددة، غير المواد التى يمتحن فيها الطلاب حاليا، وهى مهارات الفهم والتفكير والتطبيق. وهذا الاختبار موجود فى دول كثيرة مثل الهند وإنجلترا وأمريكا، تحت اسم (CAT: The common admission test). 
فى شكل اختبار إلكترونى (ومن الممكن أن يكون ورقيًا)، ويخصص عليه درجات تضاف للمجموع الكلي.
ومن الجدير بالذكر أن اختبار الـCAT (والمعروف باختبار الذكاء)، قد تم تجربته من قبل وزارة التعليم العالى على خمس كليات طب، وهى (عين شمس والمنصورة وأسيوط و٦ أكتوبر وكلية طب القوات المسلحة)، وعلى عدد محدود من الطلاب كتجربة أولى، وذلك يوم ١٥ أغسطس ٢٠١٨، ضمن أول امتحان معرفى موحد لكليات الطب. أى أن الاختبار متاح ومعروف، كما أنه موضوعى وعادل ويمكن تطبيقه.
الخلاصة، أننا بحاجة إلى الاستمرار فى تطوير طرق الامتحانات، خاصة امتحانات الثانوية العامة، لكى تواكب المقاييس العالمية. وكذلك يجب أن نبدأ فى إجراء حوار مجتمعى موسع بغرض تطوير آلية عمل مكتب التنسيق، والتوقف عن اعتبار المجموع الكلى هو المعيار الوحيد للالتحاق بالجامعات. واستحداث عدة عوامل أخرى يقبلها المجتمع، وتكون موضوعية وعادلة وممكنة التطبيق.
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.