الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

واحة الخميس.. جمال عبدالناصر-1

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تحظ شخصية فى التاريخ المعاصر بمثل ما حظيت به شخصية جمال عبدالناصر من اهتمام وجدل واسع ومستمر تعدى حدود الزمان والمكان، فرغم مرور ما يقرب من نصف قرن على وفاته إلا أنه ما زال يشغل عقول الناس وأفئدتهم، وحوله يتعاركون ويتخاصمون، ليس فى مصر فقط ولا فى الدول العربية فقط، بل فى معظم بلدان العالم، وما أن تأتى ذكرى ميلاده فى يناير أو وفاته فى سبتمبر أو ذكرى ثورة يوليو التى قادها فى 52 إلا وتجد اسمه يتردد على الألسنة من جديد، فيشتعل لهيب الاختلاف وتعلو الصيحات بالأدلة والبراهين منقسمة إلى رأيين: الأول يرفعه إلى عنان السماء ويضعه فى مرتبة القديسين ويعتبره نبى العروبة الأخير وينسج حوله الحكايات والأساطير، والثانى يسقطه فى الأرض السابعة ويحط من شأنه ويحمله مسئولية هزيمة العرب وتراجعهم على كافة المستويات ويتهمه بالفاشية والديكتاتورية، وما بين الرأيين حوادث تاريخية جرت لا يمكن لأحد أن يغيرها، والمشكلة أننا نفسر هذه الحوادث من منظورنا اليوم، فى حين أنه من المفترض علينا أن ندرسها وفق معطيات زمانها، والمشكلة الأكبر أن معظمنا يعتمد على الثقافة السمعية أو النقلية ونتأثر بآراء البعض دون أن نمحص أو نفكر فى هذا الرأى أو ذاك، وقلما تجد مهتما بدراسة التاريخ الذى يتعرض لتشويه دائم بأيدى أصحاب المصالح، وهؤلاء يعتمدون على جهل قطاع كبير من الناس بالظروف والملابسات التاريخية، فتجد من يزعم أننا كنا دولة غنية ومتقدمة وديمقراطية قبل انقلاب الثالث والعشرين من يوليو كما يسمونه، وهناك من يدعى بأننا كنا نقرض العالم من فائض أموالنا، هكذا يزعمون فيصدقهم شبابنا الذى لا يقرأ التاريخ، ويصدقهم كذلك بعض الإعلاميين الجهلاء الذين يرددون نفس الكلمات ويتحدثون عن تقدم مصر أيام الملكية ونظافة شوارعها وتحضر شعبها، وكأن الجيش قد انتفض من ثكناته دون أسباب، وقام بالسطو على الحكم ليؤخر البلاد ويبدد ثروتها ويقضى على كل ما هو جميل بها، ويؤسفنى أن البعض يصدق هذه الأكاذيب التى أطلقتها صراحة ودون مواربة جماعة الإخوان وفلول النظام الملكى، أما جماعة الإخوان فتفعل ذلك لأن ثأرا قديما بينها وبين ثورة 52، فالثابت أنها أيدت الثورة فى بادئ الأمر وباركتها، بل ادعت المشاركة فيها، وذهبوا إلى أن عبدالناصر كان واحدا منهم، وكم من أشعار كتبوها فى عبدالناصر منذ 52 وحتى 54 وهى شهور العسل التى متدت بين الجماعة والثورة، وخلالها شبهوا عبدالناصر بصلاح الدين ومدحوه وغنوا له وللثورة المباركة، فلما اختلفوا معه نعتوه بأقذر الصفات وحاولوا اغتياله واتهموه بالخيانة وذهبوا إلى أنه يهودى الأصل ووصفوا الثورة بالانقلاب، فمن يا ترى جمال عبدالناصر الذى غير وجه التاريخ والجغرافيا وأقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن، إنه جمال عبدالناصر حسين، والذى ولد فى يناير 1918 بالإسكندرية لأب بسيط يعمل بمصلحة البريد وأصله من قرية بنى مر بمحافظة أسيوط، وفى عام 1925 انتقل جمال إلى القاهرة ليقيم عند عمه خليل لمدة ثلاث سنوات وأثناء ذلك توفيت والدته السيدة «فهيمة» ولم يبلغه أحد بأمر وفاتها خشية أن يؤثر ذلك على اهتمامه الدراسى حيث كان يؤدى امتحانه فى المرحلة الابتدائية وقد ترك هذا الحادث أثره الموجع على نفسه، إذ ماتت أمه ودفنت وأخذ عزاؤها دون أن يشارك فى هذا ودون أن يلقى عليها نظرة وداع، وعاد جمال إلى الإسكندرية حيث التحق بمدرسة رأس التين الثانوية، وفى سنة 30 قرر الملك فؤاد وقف العمل بدستور 23، هذا الدستور الذى جاء نتاجا لثورة 19 والذى كان متنفسا للحرية وشكلا من أشكال الديمقراطية وبه استطاع سعد زغلول الوصول الى كرسى رئيس الوزراء، ومن خلال مواده أصبح لدينا مجلس للنواب وآخر للشيوخ، لكن فؤاد ضاق ذرعا بالوفد ويبدو أن الإنجليز كانوا قد وافقوا على هذا الدستور بغية تهدئة الشعب الثائر، ولكن بعدما عادت الأمور إلى نصابها اتفق فؤاد مع الإنجليز ومع رئيس وزرائه إسماعيل صدقى على إلغاء العمل بهذا الدستور واستبداله بدستور جديد هو دستور 30 والذى يوسع من سلطات الملك وينهى الشكل الديمقراطى الذى كان موجودا فى دستور 23 وحين تم الإعلان عن ذلك انتفض الشعب المصرى فى مظاهرات عارمة، وخرج الطالب جمال عبدالناصر فى واحدة من تلك المظاهرات التى احتشد فيها الآلاف فى ميدان المنشية بالإسكندرية، وهنا تفجرت بداخل الطالب الشاب طاقات الوطنية والإحساس بالمسئولية تجاه هذا الوطن الذى يعانى من نير الاستعمار الذى تحول وجوده إلى أمر واقع منذ 1882، وبدا للأعمى قبل البصير أنهم لن يتركوا مصر أبدا، فهم يقيمون مشروعات لخدمة أهدافهم الاحتلالية، فمصانع النسيج شيدت لضمان نسج القطن هنا فى مصر قبل نقله إلى أوروبا وإعادته قماشا إنجليزيا والقطارات يتم عن طريقها نقل البضائع الى الموانئ، ومصر تحولت إلى قاعدة عسكرية لبريطانيا وانتهت تماما السيطرة التركية عليها لاسيما بعد إعلان أتاتورك إنهاء الخلافة الإسلامية واستقلال كل الدول التابعة لتركيا، وقد تعرض جمال عبدالناصر للفصل من المدرسة نتيجة اشتراكه فى هذه المظاهرات ونتيجة تنظيمه لوقفات احتجاج أخرى داخل المدرسة ضد المدرسين الذين كان أغلبهم من الإنجليز.. أما كيف دخل عبدالناصر ورفاقه الكلية الحربية رغم أن التعليم العالى وقتها كان يقتصر على أبناء الأغنياء فقط فهذا ما سوف نعرفه فى المقال القادم إن شاء الله.