أحالت سلطات التحقيق القضائية اللبنانية ملف أحداث العنف والاشتباكات الدامية التي وقعت بمنطقة الجبل قبل نحو 3 أسابيع، إلى النيابة العسكرية، لدراسة الملف واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وإعداد قرار الاتهام في شأن الجناة مرتكبي تلك الأحداث.
وقال مصدر قضائي رفيع المستوى - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن هذا القرار جاء نفاذا لمسار التسلسل القضائي الطبيعي، بعدما انتهت شعبة المعلومات (الاستخبارات) بجهاز قوى الأمن الداخلي، من إجراء كافة التحريات الأمنية اللازمة وإعداد ملف كامل حول تلك الأحداث، مشيرا إلى أن النائب العام التمييزي عقب تسلمه ملف القضية، أحاله كما يوجب القانون إلى النيابة العسكرية والتي ستتولى بدورها دراسة الملف وتحديد المتهمين الذين يثبت تورطهم في ارتكاب الجرائم موضوع القضية.
وأوضح المصدر أن إحالة ملف التحقيقات إلى النيابة العسكرية، لا تعني أنه جرى تحديد الجهة التي ستتولى محاكمة المتهمين في القضية وأن المحكمة العسكرية هي التي ستباشر نظر القضية ووقائع المحاكمة، وإنما هو أمر طبيعي واعتيادي في إطار الإجراءات القانونية التي يجب أن يتم اتباعها.
ويشهد لبنان خلافا كبيرا بين القوى السياسية الرئيسية، على تحديد الجهة القضائية التي ستنظر في وقائع أحداث عنف الجبل، على نحو عطل انعقاد جلسات مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري لأكثر من 3 أسابيع حتى الآن.
ويصر التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي اللبناني، وبدعم قوي من حزب الله، على إحالة الوقائع في أحداث عنف الجبل إلى المجلس العدلي (جهة قضائية استثنائية تنظر في القضايا شديدة الخطورة التي تمس أمن الدولة)، وفي المقابل يرى رئيس الحكومة سعد الحريري والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، وبدعم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أن يتم إعطاء الوقت للتحقيقات الأمنية والقضائية لكشف حقيقة ما جرى من أحداث في الجبل وعدم استباق تحديد الجهة القضائية.
ورفض القيادي الدرزي طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، بصورة قاطعة، طرحا توافقيا بأن يتم إحالة القضية إلى المحكمة العسكرية، متمسكا بالإحالة إلى المجلس العدلي، وأن يتم إجراء تصويت داخل جلسة لمجلس الوزراء إذا اقتضى الأمر ذلك.
وشهدت منطقة الجبل قبل أكثر من 3 أسابيع أحداث عنف واشتباكات مسلحة دامية، حيث قطع عدد من أنصار الحزب التقدمي الاشتراكي الطرق بمدن وقرى الجبل، تعبيرا عن الاحتجاج على زيارة وزير الخارجية رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل. كما تعرض موكب وزير شئون النازحين صالح الغريب، وهو حليف لباسيل، لإطلاق النيران عقب مشاركته في جانب من جولة الوزير باسيل.
وكان المحتجون على زيارة باسيل إلى الجبل، قد قطعوا الطرق بهدف منع باسيل من استكمال جولته، بعدما اعتبروا أن بعض التصريحات التي أدلى بها تستهدف الوقيعة وتشعل الفتنة الطائفية وتستحضر أجواء الحرب الأهلية بين الدروز والمسيحيين من سكان الجبل.
وقُتل عنصران أمنيان من المرافقين لوزير شئون النازحين صالح الغريب، المنتمي للحزب الديمقراطي اللبناني الحليف للوزير باسيل، كما أُصيب آخرون جراء اشتباكات نارية متبادلة مع محتجين، وذلك أثناء مرور موكب الوزير الغريب، وتبادل الحزب الديمقراطي اللبناني والحزب التقدمي الاشتراكي، إلقاء اللائمة والمسئولية على بعضهما البعض في وقوع الحادث.
وبينما اعتبر الحزب الديمقراطي اللبناني والتيار الوطني الحر أن الحادث مثّل "كمينا مسلحا" فإن الحزب التقدمي الاشتراكي ينفي بصورة قاطعة صحة هذا الاتهام، مؤكدا أن رئيس التيار الوطني الحر أدلى بتصريحات انطوت على استفزاز وإثارة للمشاعر الطائفية بين الدروز والمسيحيين في الجبل، وهو الأمر الذي دفع أنصار الحزب الاشتراكي إلى قطع الطرق في الجبل بصورة عفوية، وأن المرافقين الأمنيين للوزير الغريب هم من بادروا بإطلاق النيران بصورة عشوائية ومكثفة على المحتجين.
وتعد منطقة الجبل المعقل الرئيسي لأبناء طائفة الموحدين الدروز. ويعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط، الممثل السياسي الأكبر للطائفة الدرزية في لبنان، يليه الحزب الديمقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال أرسلان (المتحالف مع التيار الوطني الحر وحزب الله) بالإضافة إلى حزب التوحيد العربي برئاسة الوزير السابق وئام وهاب والذي يعد بدوره حليفا لأرسلان في مواجهة جنبلاط.