الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل (الحلقة 12)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير.
ولما كان مقتضى الحال يستوجب استدعاء قيم قد أهملها الحاضر ولاحت صفحاته لطيها.. تلك القيم الأصيلة وهذه المبادئ الحقيقية هى التى شكلت النسق الأخلاقى للحضارة الإنسانية التى أشرقت مع شمس الدنيا من «مصر» كفجر للضمير الإنسانى، وتعاقبت حضارات الأمم تتوضأ من ضى هذا الفجر أخلاقًا وقيمًا ومبادئ لتتمسك بإنسانيتها.. إن ما نعيشه - مفروضًا علينا – يخالف ما اعتادت عليه الإنسانية، ويُغلب قانون الغاب، عودًا على ما كان قبل التأريخ الإنسانى.
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علّمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا فى أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا – دائمًا – كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق... 
الواقع – الآن – فى عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدار التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمه وعقلها وصانع مستقبلها.
فتح الشام 
مارست روسيا ضغوطًا مباشرة على محمد على وأنذرته بالتدخل إذ لم يأمر بوقف حملة إبراهيم باشا على سوريا والأناضول، لكن إبراهيم باشا كان قد احتل بالفعل كوتاهية فى 2/2/ 1833، مما أجبر السلطان على أن يطلب من روسيا الدعم العسكرى ضد محمد على، وقد سارعت بإرسال أسطولها إلى مياه البوسفور، وقامت بإنزال عشرين ألف عسكرى على الشاطئ الآسيوى من البوسفور فى هنكار أسكلسى قرب قصر الصيفى للسلطان، وأرسلت روسيا أيضًا فيلقًا روسيًا آخر من جهة الدانوب ليصل إلى القسطنطينية بطريق البر.
لكن التدخل الروسى أجبر كلًا من فرنسا وإنجلترا للسعى لتوفيق الأوضاع بين محمد على مع السلطان، حيث تم صلح كوتاهية فى 1833، وبموجبه أصدر السلطان فرمانًا بتثبيت حكم محمد على وراثيا له ومن بعده أسرته على مصر والجزيرة العربية والسودان وكريت، أما بلاد الشام فتبقى تحت حكم إبراهيم باشا لمدة أربع سنوات، شريطة بقاء محمّد على تابعًا للسلطان، وشريطة جلاء إبراهيم باشا عن الأناضول.
وبعد مرور السنوات الأربع تباطأ محمد على باشا فى تنفيذ المعاهدة والانسحاب، وكان لمساندة بريطانيا للدولة العثمانية الأثر الأكبر فى إنهاء حكم محمد على باشا فى سوريا، إذ لم يكن الإنجليز على رضا من بقائه فى سوريا، وهم يريدون إبعاده أيضًا، لأنه مدعوم بعدوها اللدود فرنسا ومنافسها الأزلى فى المنطقة، وبقاؤه فى سوريا يعطى الروس ذريعة للتدخل، لذلك ساندت بريطانيا السلطان ضد محمد علي، مما شجع السلطان العثمانى على بدء القتال ضد قوات إبراهيم باشا فى سوريا، ففى 21/4/1839 عبرت القوات العثمانية نهر الفرات ضمن ممتلكات محمد علي، وقد وقعت معركة كبيرة صباح 24/6/1839 بالقرب من نصيبين، كان النصر فيها حليف إبراهيم باشا، وأصبحت الطريق إلى اسطانبول مفتوحة أمامه، ولكنه لم يفكر فى هذه المغامرة، لأنه كان يدرك خطورتها الدولية، وبعد هذه المعركة توفى السلطان محمود الثانى، وأخذت الدول الكبرى روسيا وبروسيا وإنجلترا وفرنسا فى إجراء المشاورات حول الوضع الخطير، وأخذت هذه الدول تهدد محمد علي، وقد استمرت المشاورات ما يقارب العام، إلى أن أقنعت فرنسا الدول الأخرى بحل القضية سلميًا، واختلفت الآراء حول سوريا؛ ففرنسا ترى إعطاءها لمحمد على مع مصر، بينما ترى بريطانيا إبقاءه بمصر فقط، واستطاعت فرنسا بمعزل عن الدول الكبرى أن تقنع مصر وتركيا على توقيع معاهدة يمنح السلطان بموجبها لمحمد على حكمًا وراثيًا على مصر وسوريا.
إلا أن منافستها فى المنطقة بريطانيا رفضت المعاهدة، واستغلت حوادث جبل لبنان عام 1840، وأبرمت اتفاقية بين الدول الكبرى وتركيا فى لندن عام 1840، قررت بموجبها حصر محمد على وممتلكاته، وذلك بأن يبقى لمحمد على حكم مصر وراثيًا له ولأولاده، وإعطاؤه إدارة ولاية عكا مدى حياته فقط، وإعادة باقى ممتلكاته إلى السلطان، على أن يعلن محمد على قبوله ذلك خلال عشرة أيام، وإلا انحصر حقه بمصر وحدها، وإن لم يستجب خلال عشرين يومًا، يقوم السلطان بمساعدة الدول الكبرى بعزله.
رفض محمد على الإنذار، مما حدا ببريطانيا وبروسيا مع تركيا لبدء عمليات بحرية مشتركة، وقد أنزلت قوات فى بيروت فى 11/9/1840 قوامها 1500 جندى إنجليزى و8000 جندى تركي، وأخذ الحلفاء فى توزيع السلاح على الأهالي، وحاول محمد على الاعتماد على الحليف الفرنسى، ولكنها لم تفعل سوى التهديد بالسلاح، مما زاد إرباك محمد على باشا وابنه إبراهيم باشا.
وقد وقعت قرب بيروت أولى المعارك بين الدول المتحالفة وقوات إبراهيم باشا فى 10/10/1840، وسحبت قوات إبراهيم باشا، وتابع الحلفاء فى مد سيطرتهم على الساحل السوري، وفى 3/11/1840 سقطت عكا، وقطع الطريق الساحلى على قوات إبراهيم باشا وعلى تموينها. كذلك قام الأسطول الإنجليزى بالاقتراب من الإسكندرية مهددًا.
شعر محمد على بأنه بقى وحده فى المعركة وأنه لا يستطيع الاستمرار، مما حدا به للتوقيع على اتفاقية تقضى ببقائه فى مصر فقط، وتسليم باقى ممتلكات السلطان فورًا، وكان ذلك فى 27/11/1840. وفى 29/11/1840 أصدر محمد على مرسومًا بالجلاء الفورى عن بلاد الشام، كانت الحالة فى الجبهة السورية بالنسبة لإبراهيم باشا محرجة جدًا، وصفها بيير كريتيس بكتابه إبراهيم باشا (ترجمة محمد بدران، طبعة عام 1937 ص 269 ـ 270) كما يلي: «المسيحيون الأرذوكس يحاربونه لأن حكمه ينذر بالقضاء على حقوقهم التقليدية المكتسبة، فيحرمهم من الأرباح الطائلة التى يجنونها من الحروب، والمسلمون يقاومونه لأنه يؤمن بالحرية الدينية والمساواة أمام القانون، والدروز قائمون عليه لأن المارونيين الكاثوليك انضموا تحت لوائه فى أول الأمر، وإنجلترا تسلط سيف الفتنة وتمد العصاة بالمال، وتشجع الفوضى بضرب الحصار على شواطئ الشام، وإطلاق القنابل على إحدى نقاط البلاد الحرجة، ولو أن إبراهيم لم يكترث بذلك كله وأراق دم جنوده من غير جدوى لكان عمله هو الخرق بعينه».
وقد تمت تسوية القضية فى أول حزيران عام 1841، بأن صدر مرسوم سلطانى ببقاء محمد على باشا بمصر والسودان فقط دون سائر الأقاليم الأخرى، وتخفيض جيشه إلى (18 ألف محارب)، ومنعه من حق بناء السفن الحربية، وتعيين قيادات الجيش، واعترف محمد على باشا بسلطة السلطان العثماني، وتعهد بدفع الجزية.
وقد أخذ الجنود السوريون بالعودة من مصر إلى سوريا بعد أن أنهى محمد على تجنيدهم عنده اعتبارًا من أواسط أيلول (سبتمبر) عام 1841، وقد بلغ عدد الجنود العائدين ما يقارب العشرة آلاف.
وسنوالى تباعًا إن شاء الله تفاصيل كل معركة منفردة، ومنها معركة حمص ومعركة حلب ومعركة قونية... وغيرها والتى انتصر فيها الجيش المصرى على الجيش التركى. 
تحت الصورة
وصف بيير كريتيس بكتابه إبراهيم باشا مكائد بريطانيا ضد الجيش المصرى فى الشام: «.. إنجلترا تسلط سيف الفتنة وتمد العصاة بالمال، وتشجع الفوضى بضرب الحصار على شواطئ الشام، وإطلاق القنابل على إحدى نقاط البلاد الحرجة، ولو أن إبراهيم لم يكترث بذلك كله وأراق دم جنوده من غير جدوى لكان عمله هو الخرق بعينه».