الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الموسيقى في العصر الرومانتيكي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«الفن ليس عنصرًا مجردًا يظل باقيًا لحاله خلال الأشكال العرضية التى يتخذها، وإنما هو مبدأ حى يتحول، وفى تحولاته يمكن دراسة ماهيته. وتُصور الموسيقى الحركة غير المرتبطة بأشكال جسمانية، كأنها محمولة على أجنحة غير منظورة؛ وتؤلف العالم الحى المنسجم».
لخصت كلمات «فريدريك شلنج» الفيلسوف الألمانى الشهير أهم خصائص الفلسفة الجمالية فى العصر الرومانتيكى – كما بين ذلك «جوليوس يورتنوري» فى كتابه: «الفيلسوف وفن الموسيقى».
لقد كان المؤلف الموسيقي، فى القرن الثامن عشر، صانعًا محترفًا يعمل فى خدمة الدين أو تحت إمرة سيده. أما فى القرن التاسع عشر فقد رفض الموسيقى مركز الصانع المحترف، وكان يكتب موسيقاه فى ظل حرية شخصية قل التمتع بها من قِبّل الفنانين فى أى عهد. كذلك طور الموسيقى فن «السيمفونية»، ووسع نطاق الأوبرا بحيث أصبحت عرضًا رائعًا؛ عبر عن وحدته فى أغان فنية وعاطفية عميقة. ولم تكن الحركة الرومانتيكية فى الموسيقى منعزلة عن الحياة، فقد كانت جزءًا من حركة شاملة فى كل بلاد أوروبا خاصّة ألمانيا وفرنسا وفى سائر الفنون. وظهر فى هذا العصر – لأول مرة – تأثير قوى لفنون الأدب والرسم على الموسيقى، وتبلور ذلك فى الميول الأدبية الجديدة لبعض كبار مؤلفى الموسيقى الرومانتيكيين أمثال: «فيبر» و«شومان» و«ليست» و«شوبرت» و«فاجنر» إلى الفلسفة والأساطير الخاصة بشمال أوروبا.
بدأت الأوبرا الرومانتيكية فى ألمانيا على يد «كارل فون فيبر» بالأوبرا الشعبية، ثم أخرج أوبرا «أويرانتي» التى وصفها بأنها «أوبرا بطولية رومانتيكية عظيمة فى ثلاثة فصول». وقد كان المثل الجمالى الأعلى عند «فيبر» هو جعل الأوبرا فنًا تمتزج فيه الموسيقى والشعر والتمثيل. وأنشأ «فرانتس شوبرت» الأغنية الفنية الألمانية، وتفوق على «بيتهوفن» ذاته فى خلق ألحان جميلة أدت إلى زيادة تأثير مجموعة كبيرة من أجمل المقطوعات الشعرية. وقد كان الميل الكلاسيكى البسيط الكامن فى موسيقى «فيلكس مندلسون» متعارضًا وميول معاصريه: «برليوز» و«ليست» و«فاجنر»، وعلى حين كانوا هؤلاء الثلاثة يسعون إلى تحقيق مؤثرات موسيقية جديدة، وعملوا على تضخيم الأوركسترا؛ فإن «مندلسون» – الذى ظل طوال حياته تابعًا مخلصًا لموسيقى «موتسارت» – قد استمر يكتب بأسلوب كلاسيكى بسيط. ورأى «روبرت شومان» أن موسيقى الآلات قادرة على التعبير عما يستحيل التعبير عنه، وعلى التوغل فى أعماق البشر. لذلك قال: «إن الكلمات والنصوص تضفى على هذه المشاعر طابعًا عقليًا تصوريًا، فالكلمات هى الأغلال التى تكبل المشاعر». ومن هنا ظل «شومان» يعمل على التعبير عن هذه المشاعر الموسيقية فى مؤلفاته، أما «فرانتس ليست» فكان ذا نزعة إنسانية اجتماعية، كما كان موسيقيًا تقدميًا، فضلًا عن كونه رجل كنيسة. أشار «ليست» إلى «باخ» على أنه القديس «توما الأكويني» فى مجال الموسيقى؛ ذلك لأن القديس «توما» قد جمع بين الإيمان والعقل فى مركب واحد، كذلك اعتقد «ليست» أن «باخ» قد سار بالشعور والعقل إلى وحدتهما النهائية فى فن الموسيقى. وقد أمضى «ليست» حياته وهو يحاول تحقيق وحدة أوثق بين الموسيقى والشعر، وكان ينظر إلى الشعر بوصفه الحافز إلى الإبداع الموسيقي؛ ولكنه كان يعتقد أنه بعد تحقيق الوحدة بين الكلمة واللحن، وبين العقل والشعور، فمن الواجب أن تُترك الموسيقى حرة لكى تمجد هذه الوحدة وتسمو بها إلى أعلى قمم الوجد الرومانتيكي.