ويواصل رفاعة معركة التجديد فى فهم مقصود الشريعة مهتماً بقضايا ذات دلالة.. وأهمها التعليم فيقول "التعليم يجب أن يكون عاماً لجميع الناس يتمتع به الأغنياء والفقراء على السواء، فهو ضرورى لسائر الناس يحتاج إليه كل إنسان كاحتياجه إلى الخبز والماء" [الطهطاوى – تخليص الإبريز – صـ72] ولكن عن أى نوع من التعليم يتحدث رفاعة؟ ونقرأ "إن مدار سلوك جادة الرشاد والإصابة منوط بأولى الأمر فى هذه العاصبة [شيوخ الأزهر] التى ينبغى أن تضيف إلى ما يجب عليها من نشر بالسنة الشريفة ورفع أعلام الشريعة المينفة، معرفة سائر المعارف البشرية المدنية التى لا مدخل فى تقديم الوطنية وسيما أن هذه العلوم الحكمية العلمية التى يظهر الآن أنها أجنبية هى علوم إسلامية نقلها الأجانب إلى لغاتهم من الكتب العربية [مناهج الألباب المصرية فى مناهج الآداب العصرية – صـ 273] والتعليم للبنات والبنين على السواء "فدخول البنات والغلمان واجب قانوناً فى جرمانيا وفى كل بلاد أوربا وهذا هو سر أن بلادهم من أقوى البلدان" [الطهطاوى- المرشد الأمين فى تعلين البنات والبنين – فصل بعنوان: فى تشريك البنات مع الصبيان فى التعليم وكسب العرفان – صـ66] ومن قضية التعليم يتجه رفاعة وبحسارة إلى قضايا المرأة ويصرخ بصيحة تجديد تتحدى الجميع فيما يتعلق بمسألة الحجاب قائلاً "إن وقوع اللخبطة بالنسبة لعفة النساء لا يأتى من كشفهن أو سترهن، بل ينشأ ذلك من التربية الجيدة أو الخسيسة والتعود على محبة واحد دون غيره وعدم التشريك فى المحبة والالتآم بين الزوجين" [تخليص الإبريز- صـ305] ثم يواصل تحديه بضرورة المساواة بين المرأة والرجل فيقول "فإذا أمعنا النظر فى هيئة المرأة والرجل فى أى وجه من الوجوه لم نجد إلا فرقاً يسيراً يظهر فى الذكورة والأنوثة وما يتعلق بها، ثم إن للمرأة بغض النظر عن تباين صفات أخرى تتميز بها عن الرجل" [المرشد الأمين – صـ35] ولا شك أن شيوخ زمانه قد أغضبتهم هذه الكلمات، وخاصة فى موضوع الحجاب. ولكن رفاعة يأبى إلا أن يزيد من غضبهم مدافعاً عن حق المرأة فى العمل "فكل ما تطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن وهذا فى شأنه أن يشغل النساء عن بطالة، فإن فراغ أيديهن من العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء، وافتعال الأقاويل ذلك أن العمل يصون المرأة عما لا يليق بها، ويقربها من الفضيلة، فإن اليد الفارغة تسارع إلى الشر والقلب الفارغ يسارع إلى الإثم" [تخليص الإبريز – صـ201] ويمعن رفاعة فى تحديه وإصراره على إشهار احترام المرأة ومساواتها مع الرجل فيكتب بخطه وثيقة بختمه يقول فيها "إلتزام الكاتب هذه الأحرف رفاعة بدوى رافع لبنت خاله المصونه الحاجة كريمة بنت العلامة الشيخ محمد الفرغلى الانصارى ، أنه يبقى معها وحدها على الزوجية دون غيرها من زوجة أخرى ظن ولا جارية أياً كانت وعلق عصمتها على أخذ غيرها من نساء أو تمتع بجارية ، أو تزوج بزوجه أخرى أياما كانت ، كانت بنت خاله وبمجرد العقد طالقة بالثلاثة وكذلك إذا تمتع بجارية ملك يمين ، وقد أوعدها وعداً صحيحاً لا ينتقض ولا يحل ، أنها مادامت نعه على المحبة المعهودة ، مقيمة على الأمانة والعهد لبيتها ولأولادها ولخدمها وجواريها ساكنة معه فى محل سكناه فإن لا يتزوج بغيرها أصلاً ، ولا يتمتع بجوار أصلاً ، ولا يخرجها من عصمته حتى يقضى الله لأحدهما بقضاة" [دار المحفوظات بالقلعة – ملف رفاعة الطهطاوى] .. الآن هل تحتاج وثيقة كهذه إلى أي تعليق؟ وهل ثمة موقف تجديدى أوضح وأنصع من ذلك؟
ويمعن رفاعة فى تحديه للفكر المغلق والظلامى الذى ساد فاعتبر أن الفراعنة كانوا رمزاً للفكر، وأن التماثيل التى تركوها كانت لبشر سخطهم الله بسبب كفرهم، وصاح رفاعة "لم يكن فى الأمم مثل قدماء المصريين فى قوتهم وفى الركض فى ميادين الفخار" وأن آثارهم ثورة لمصر على مدى الأجيال.
وهكذا مضى رفاعة مجدداً ومعانداً لكل الدعوات المتأسلمة.