لطالما كان عالم السحر والشعوذة عنصر جذب لدى جمهور السينما حوال العالم باختلاف لغتهم وثقافتهم وديانتهم، ما شكل مادة غنية لمؤلفيها للدخول إلى هذا العالم الغامض المليء بالأسرار ودمجه مع مجموعة من الأفكار من واقع موروثنا الشعبي.
وعلى الرغم من محاولات السينما المصرية فى هذا الموضوع، إلا أن معظمها انحصر فى استخدام السحر وقوى الطبيعة الخارقة كمادة للسخرية فى أفلامها، إلا أن هناك عددًا من الأعمال الفنية تناولت الظاهرة بشكل جدى بداية من منتصف الثمانينيات حين خرج الزعيم عادل إمام عن أدواره المألوفة وخاض للمرة الأولى هذه التجربة بفيلمه الشهير «الأنس والجن»، الذى يُعد واحدًا من أهم الأفلام التى تناولت الصراع بين العلم وحقيقة قوى ما وراء الطبيعة أو ما يعتقده البعض من خرافات، وفكرة عشق الجن للإنس التى لاقت رواجًا كبيرًا فى تلك الفترة خاصة فى المناطق الريفية.
وقدم «إمام» خلال الفيلم نظرة جديدة لشخصية «الجن» التى انحصرت طوال الوقت داخل أذهاننا على أنها ذات مظهر بشع وبغيض وحوافر ضخمة، فطل علينا ببدلته الأنيقة وحديثه المنمق وبرودة عينيه، كما اعتمد مخرج الفيلم محمد راضى على عنصر المفاجأة فى بث روح الرعب فى نفوس المشاهدين بدلًا من المشاهد الدموية المقززة.
عقب هذه التجربة الناجحة والجديدة فى عالم أفلام السحر والميتافيزيقا، نشطت هذه النوعية من الأفلام فى السينما المصرية؛ فتم إنتاج فيلمين عام ١٩٨٧ هما «البيت الملعون» و«التعويذة»، الذى شاركت فى بطولته النجمة يسرا بجانب الفنان القدير محمود ياسين، والذى يعتبر واحدًا من أكثر الأفلام التى تناولت ظاهرة الأعمال السفلية والسحر رعبًا فى تاريخ السينما المصرية، فقد احتوى العمل على العديد من المشاهد المرعبة للاعتماد بشكل كبير على استخدام الدماء وأرجل الماعز والتعويذات المستخدمة فى إيذاء الغير، وهى ما خرجت على الشاشة بشكل متقن كلية.
ومع بداية التسعينيات اختلفت نظرة السينما بشكل ملحوظ تجاه ظاهرة السحر، وأخذت تنظر لهذه القضية من منظور فلسفي، وذلك بفضل المخرج على عبدالخالق والمؤلف محمود أبو زيد، الذى صاغ سيناريو واحدًا من أكثر أفلام السينما المصرية عبقرية وهو فيلم «البيضة والحجر» للراحل أحمد زكي، وتناول الفيلم بحرفة شديدة الإتقان ظاهرة السحر والشعوذة التى باتت تسيطر على عقول العامة فى مجتمع يعانى الفقر والجهل، بل تطور الأمر لدرجة أنها أصبحت تسيطر أيضًا على عقول النخبة من السياسيين ورجال الأعمال التى آمنت بقدرة وقوة السحر فى التلاعب بمصائر الناس، لنكتشف فى نهاية الفيلم أن فكرته تقوم على استغلال جهل الناس وخوفهم من المجهول للسيطرة عليهم فى أشد لحظاتهم حلكة. وحمل الفيلم رسالة أخرى غير مباشرة لتسليط الضوء على النهج الذى تستخدمه الكثير من الأنظمة الحاكمة مع شعوبها لإخضاعها.
فى عام ٢٠١٤، أخذ المخرج مروان حامد هذه التيمة إلى مستوى أكثر عمقًا وغموضًا من خلال فيلمه «الفيل الأزرق»، والمستند على رواية تحمل نفس الاسم للكاتب أحمد مراد، الذى صاغ سيناريو الفيلم بنفسه، والتى تحكى قصة طبيب نفسى يدعى يحيى، كان قد مر بظروف نفسية صعبة، بعد تعرضه لحادث توفيت على إثره زوجته وابنته، ترك الطبيب العمل لمدة خمس سنوات على إثر تلك الصدمة، وبعد ذلك بدأ يعود إلى حياته الطبيعية، ليتلقى صدمة أخرى حين علم أن صديقه وزميله فى الطب النفسى شريف يعانى انفصاما بالشخصية، وأنه قام بقتل زوجته، يبدأ يحيى بمساعدة صديقه شريف بالتعاون مع لبنى أخت شريف، وقد سبق أن تقدم يحيى للزواج منها، لكنه قوبل بالرفض.
ونجح «مراد» فى بناء حبكة فيلمه فى اللعب على ٣ محاور رئيسية هى: «المرض النفسي» و«السحر والشعوذة»، و«اللاوعي» المتمثل فى الحلم الذى عمد يحيى إلى الهروب إليه كثيرًا عن طريق تناول قرص «الفيل الأزرق» المخدر الذى ينقله إلى هذا العالم الملىء بالمتعة واللذة والنشوة، وأحيانًا كثيرة للهروب من واقعه المظلم الذى فقد فيه الزوجة والابنة.
وبنيت تيمة السحر والشعوذة فى هذا الفيلم على أساس لغة «الأرقام» التى حلت محل الحروف، وذلك لتسخير الجن من أجل التمكين والإيذاء، وهو ما ذكر فى الفيلم تحت اسم «نائل» الذى حاول التحكم بشخصية شريف طوال الوقت.