الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد وحاضر يصون المستقبل (11)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يموج الحال مكانًا وزمانًا بمتغيرات عاصفة لثوابت راكنة قدم الزمان، وتفرض كل الاحتمالات وجودها لتملى على قلم التاريخ محوًا للثابت وتثبيتًا للمتغير. 
ولما كان مقتضى الحال يستوجب استدعاء قيم قد أهملها الحاضر ولاحت صفحاته لطيها.. تلك القيم الأصيلة وهذه المبادئ الحقيقية هى التى شكلت النسق الأخلاقى للحضارة الإنسانية التى أشرقت مع شمس الدنيا من «مصر» كفجر للضمير الإنسانى، وتعاقبت حضارات الأمم تتوضأ من ضى هذا الفجر أخلاقًا وقيمًا ومبادئ لتتمسك بإنسانيتها.. إن ما نعيشه - مفروضًا علينا - يخالف ما اعتادت عليه الإنسانية، ويُغلب قانون الغاب، عودًا على ما كان قبل التأريخ الإنسانى. 
ولأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراع علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا فى أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا – دائمًا – كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق... 
الواقع – الآن – فى عوز لإعادة استدعاء قيم وأخلاق من أجل الحق والعدل للحفاظ على ما تبقى للإنسان من إنسانيته. 
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدار التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمة وعقلها وصانع مستقبلها. 
فتح الشام 
تحركت القوات البرية باتجاه الشمال الشرقى، واحتلت خان يونس، ثم غزة ويافا، وفى أقل من شهر ضُرب الحصار على عكا بعد وصول العمارة الحربية المصرية فى 1831، وبعد أن أحكم إبراهيم باشا النطاق حول المدينة برًّا وبحرًا، أخذ فى ٩ و١٠ ديسمبر يرميها بالقنابل من كل جهة، ولم تكن تلك القنابل يومئذ سوى قنابل من كتل الحديد والفولاذ المستديرة، لا تنفجر بل تدكُّ وتهدم، واستمر ضرب المدينة برًّا وبحرًا من الفجر إلى المساء، فألقى عليها فى يوم واحد عشرة آلاف كرة وثلاثة آلاف قنبلة، وقد رووا أن فرقاطة واحدة مصرية ألقت ٣٧٠٠ قنبلة، وخلال ثلاثة أشهر فى الحصار استغل القائد إبراهيم هذه المدة والحصار قائم فى احتلال المواقع المهمة فى ولاية صيدا (وقاعدتها عكا) وما حولها، فاحتلت قوة من جنوده صور وصيداء وبيروت وطرابلس، واحتلت قوة أخرى القدس، ونشب التوتر والقلق على أعتاب السلطنة من أعمال محمد على، فحشدت جيشًا من عشرين ألفًا بقيادة عثمان باشا، وانتصر إبراهيم باشا على الجيش العثمانى فى معركة الزرّاعة بين حمص وبعلبك فى 1832م، ثم عاد ليشدد الحصار على عكا، فسقطت فى يده بعد انقضاء الأشهر الثلاثة، ودخل دمشق وجعلها مقر حكومة أبيه فى الشام، ثم انتصر ثانية عند حمص على طلائع الجيش العثمانى، ودخل حمص وحماة، وزحف على المواقع العثمانية فى مضيق بيلان؛ حيث تحصن حسين باشا قائد الجيش العثماني، وهناك وقعت المعركة الحاسمة بين إبراهيم باشا وحسين باشا 1832، وانتهت بهزيمة منكرة للجيش العثمانى وقائده حسين باشا الذى هرب على إثرها، ومضى إبراهيم فى الزحف فاحتل الإسكندرونة وبانياس، وسُلمت له أنطاكية واللاذقية، وواصل القائد تقدمه، وانسحبت القوات العثمانية من أمامه، وضم السويدية وطرطوس، وزحف تجاه الأناضول، ودخل أدنة وعنتاب ومرعش، واستولى على قونية فى 21 ديسمبر 1832، بعد انتصار باهر على الأتراك، ولم يلبث أن احتل أورفة وقيصرية، وانتصر فى قونية على الجيش العثمانى، وأسر قائده الصدر الأعظم رشيد باشا، وغدا الطريق إلى العاصمة اسطنبول مفتوحًا أمام قوات محمد على بفضل تفوق الجيش المصرى وكفاءته القتالية العالية، وبفضل مواهب إبراهيم باشا القيادية، ولما وصل إبراهيم كوتاهية 1833، تلقى أمرًا من أبيه بالتوقف، لتهديد الدول الأوروبية بالتدخل. 
وعُقدت معاهدة كوتاهية بين الباب العالى ومحمد علي، نال فيها الأخير حكم بلاد الشام وأدنة، ومنح إبراهيم لقب محصل أدنة، وبذلك دخلت الشام فى حكم الدولة المصرية، وصار إبراهيم باشا حاكمًا عامًا للبلاد السورية مُعينًا من قبل والده، إضافة إلى تجديد ولايته على جدة من قبل السلطان. 
انصرف إبراهيم باشا إلى تنظيم البلاد ساعيًا إلى تجديد أحوالها وتحديثها فى جميع المجالات الإدارية والاقتصادية والمالية، وقامت سياسته على مبدأ المساواة فى الدين والمساواة أمام القانون، كما حاول أن يدير بلاد الشام على أنها قطر واحد يسكنه شعب واحد، فاصطدم بالفروق والخلافات القائمة بين الطوائف، وتفاقم الخطب حين عمدت بريطانيا وروسيا والدولة العثمانية إلى تغذية القلق والاستياء بالدس وتحريض الناس للثورة على إبراهيم باشا، وبخاصة بعد توقيع معاهدة «هنكار أسكله سي» الدفاعية بين الدولة العثمانية وروسيا (تموز 1833) لوقف الزحف المصري، وكان من نتيجة ذلك حدوث الفتن والثورات على حكم إبراهيم باشا فى بلاد الشام، لا سيما فى لبنان، ومن أسباب موقف بلاد الشام هذا من إبراهيم باشا ـ إضافة إلى التدخل الأجنبى ما قام به من احتكار تجارة الحرير وأخذ ضريبة الرءوس (الفردة) من الرجال كافة على اختلاف مذاهبهم، واضطر إبراهيم باشا إلى قمع هذه الحركات بشدة ومصادرة السلاح من الأهالى فى جميع أنحاء البلاد، وقد صوِّر جمع السلاح مقدمة لتجريدهم من القوة أو لتجنيدهم وانتقاص حقوقهم، وتأكد للدولة العثمانية أن اضطراب الأحوال أضر بحكومة إبراهيم باشا وأرهق قواها، فحشد السلطان محمود قواته من جديد، واستأنف الحرب على إبراهيم باشا لاسترداد بلاد الشام بتحريض من بريطانيا، ووقعت معركة فاصلة عند نزيب نصيبين الواقعة قرب عنتاب، (وليست نصيبين الحالية تجاه القامشلي) فى 1839م، حقق فيها إبراهيم باشا نصرًا مبينًا على الجيش العثمانى الذى كان يقوده حافظ باشا، وانحاز فوزى باشا قائد الأسطول إلى محمد علي، ولكن الموقف تبدل بسبب تدخل الدول الأوروبية بريطانيا وروسيا وبروسيا (المانيا) والنمسا التى عقدت فيما بينها معاهدة لندن 1840، وقضت بإجبار محمد على، على سحب قواته من بلاد الشام حتى عكا، والاكتفاء بولاية مصر وراثية لـه ولأولاده من بعده، ولما كان محمد على يطمع فى مساعدة فرنسا له، فقد رفض الانصياع للمعاهدة، لكن فرنسا خذلته. 
وسنوالى تباعًا إن شاء الله تفاصيل معارك ضم الشام، وتعاون أوروبا وتركيا لتقويض الجيش المصرى. 
- يذكر القنصل النمساوي فى 16 يوليو 1833، قوله عن إبراهيم باشا: «إنه ابن هذا العصر، وقد تربى تربية عصرية، وتنزه عقله عن الانطباع على الخضوع على السلطان بحكم المبادئ الدينية، وإنى لأرى إلى جانب ضعف الباب العالى وهزاله، جيشا عربيا قويا ممرنا على أحدث أساليب القتال، وأرى أسطولا قويا، وكلاهما يسهل مضاعفته» 
- يسطر القنصل البريطانى فى 6 نوفمبر 1833، ليصف حالة البؤس التى عليها بغداد، مصرحا بأن «أنظار الشعب العربى متجهة فى هذه المحنة نحو إبراهيم» معنى هذا أن الرغبة فى الدخول تحت الحكم المصرى كان لها العامل المشجع لدى رؤية إبراهيم.