الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ليبيا.. حرب العاصمة تصنع التسوية السياسية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى نهاية الأسبوع الماضى، توجهت تعزيزات عسكرية غير مسبوقة لقوات الجيش الليبى المتواجدة على تخوم العاصمة، وفى مناطق لا يفصلها سوى بضع كيلومترات عن ميدان الشهداء قلب طرابلس، وقد شملت تلك التعزيزات قوات الصاعقة وقوات برية مُدربة على حرب الشوارع؛ ما يعنى أن ساعة الحسم وإعلان تحرير طرابلس بات وشيكا؛ فتلك العناصر ستكون مُكلفة بملاحقة الإرهابيين داخل شوارع طرابلس الذين بدأوا يلوذون إليها تحت وطأة ضربات الجيش. 
وبخلاف تصريحات القادة العسكريين الميدانيين، حول اقتراب عملية اقتحام وسط طرابلس، أطلق الجيش نداءً إلى السكان بالابتعاد عن مناطق تمركز العصابات والميليشيات الإرهابية، وبدأت عمليات قصف دقيقة لمحيط مقر مجلس الوزراء الذى تسيطر عليه عصابات السراج. 
بالتزامن مع بداية مرحلة الحسم التى قد تستغرق بعض الوقت بسبب تجمع فلول الإرهابيين داخل العاصمة، كان أكثر من 70 نائبًا بمجلس النواب الليبى المُعترف به دوليًا يجتمعون فى القاهرة، بدعوة من نظيره المصرى واللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا. 
اللافت فى تلك الاجتماعات التى انعقدت على مدار ثلاثة أيام، بحضور مسئولين بالخارجية المصرية والمخابرات العامة، أنها ضمت نحو ثلث البرلمان الليبى المكون من 188 عضوًا، بينهم من يؤيد عملية «طوفان الكرامة» لتحرير طرابلس، ومن يرفض العملية؛ ومع ذلك توافق الجميع على عدة أمور ترسم فى مجملها مسار التسوية السياسية؛ أهمها اعتبار وحدة الأراضى الليبية من الخطوط الحمراء التى لا يُمكن تجاوزها، والتأكيد على مدنية الدولة، والتمسك بالمسار الديمقراطى وتداول السلطة، التزامًا بالإعلان الدستورى وتعديلاته، والذى يرتب إجراءات المراحل الانتقالية. 
كذلك توافق النواب الليبيون على دعوة باقى البرلمانيين الذين لم يشاركوا فى اجتماعات القاهرة للاجتماع فى أية مدينة ليبية لبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية تدير المرحلة الانتقالية. 
غير أن أهم مخرجات تلك الاجتماعات اتفاق الجميع على أن أية تسوية للأزمة الليبية يجب أن تمر من خلال مجلس النواب، كونه المؤسسة الشرعية الوحيدة المنتخبة والمعترف به دوليًا. 
ويمثل هذا البند أهمية خاصة فى رأيى؛ لأنه مؤشر إلى سقوط شرعية ما تسمى بـ«حكومة الوفاق الوطنى»، برئاسة فائز السراج، لدى غالبية أعضاء مجلس النواب الليبي، باستثناء 23 عضوًا منهم 10 لم يؤدوا اليمين، كانوا قد عقدوا عدة جلسات بأحد فنادق طرابلس، فى محاولة يائسة لإعطاء ميليشيات السراج نوعًا من المشروعية. 
ويؤسس سقوط شرعية حكومة الوفاق لدى البرلمان الليبى، لواقع سياسى جديد لا يعترف بالسراج وحكومته، كطرف فى المعادلة الليبية، يمكن التفاوض معه حول مستقبل البلاد، خاصة أنه أصبح جزءا من الميليشيات والعصابات الإجرامية، ومن المخططات التركية القطرية لنشر الفوضى وأعمال العنف فى البلاد. 
ويؤسس بيان القاهرة أيضًا إلى قاعدة جديدة على المحيط الإقليمى والمجتمع الدولى التعامل معها؛ وهى أن مجلس النواب الليبى سيكون الطرف المنوط به رسم خارطة طريق ليبيا السياسية كونه كيانا محايدا، بتمثيله لكل فئات وشرائح المجتمع الليبي؛ وهو ما يمكن اعتباره البداية الحقيقية نحو توحيد كافة مؤسسات الدولة الليبية، بدءًا من الجيش، وصولًا إلى المؤسسات الحكومية والاقتصادية والمالية. 
هذا الواقع يُطيح بتلك الازدواجية التى خلقها المجتمع الدولى داخل ليبيا بهدف إغراقها فى مستنقع الفوضى العارمة، التى تمثلت فى اعترافه بشرعية مجلس النواب، دون الاعتراف بالحكومة المؤقتة المنبثقة عنه برئاسة عبدالله الثنى، وفى نفس الوقت يعترف بحكومة فائز السراج رغم تبعيتها المطلقة منذ اللحظة الأولى لميليشيات فجر ليبيا وغيرها من العصابات الإرهابية التابعة لتنظيم الإخوان والمأمورة بتعليمات أردوغان. 
المؤكد أن تزامن اجتماع البرلمانيين الليبيين فى القاهرة مع وصول تعزيزات عسكرية هائلة بالقرب من قلب العاصمة، لم يكن مصادفة؛ فمثل هذه التحركات تأتى فى إطار استراتيجية وضعت مُسبقًا قبل بداية حرب طرابلس 4 أبريل الماضي. 
وبقدر صعوبة مهمة مجلس النواب الليبي، إلا أنه سيكون الأوفر حظًا فى التوصل إلى تسوية سياسية تتضمن مصالحة وطنية شاملة، ورسم مسار ديمقراطى، يضمن تداول السلطة فى إطار دولة مدنية؛ فقد أماطت السنوات الخمس الماضية منذ إطلاق عملية الكرامة، وحرب تحرير طرابلس، اللثام عن كل الوجوه، ولم يعد هناك مجال كبير أمام المتاجرين، سواء بشعارات الحرية أو تطبيق الشريعة للتسلل لإفساد المشهد الليبى لصالح أطراف خارجية. 
حرب طرابلس لن تنتهى بدخول قوات الجيش الوطنى الليبى إلى قلب العاصمة، لكنها ستفتح الباب على مصراعيه أمام حلول سياسية دائمة ومستقرة، بينما سيتفرغ الجيش لملاحقة جيوب التنظيمات الإرهابية والخلايا النائمة داخل المدن، وستكون أمامه حرب كبيرة أخرى لتحرير مصراتة وسرت، بالإضافة إلى ما ينتظره من عمليات عسكرية واسعة النطاق داخل الصحراء الكبرى الليبية، لتطهيرها من فلول الميليشيات الهاربة من المدن الساحلية، ومن تنظيم داعش الذى تؤكد عدة تقارير استخباراتية تواجد زعيمه أبو بكر البغدادى فى مناطق الجنوب؛ وهو ما سيدعوه إلى إقامة تحالف موسع مع دول الساحل والصحراء لمحاصرة التنظيم، ربما يكون هذه المرة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي. 
Ali.elfateh2017@gmail.com