للحرف النسائى رشاقته، رهافته وقوته التى تحمل أنفاس التجدد والتحول والمعاناة التى يوشم بها الألم طقس الولادة. كل كتابة هى ولادة إبداعية بشكل ما فما بالنا بالقصائد التى تصدر من روح حرة تريد العدل وتفتش عنه وتنادى به وتكشف الظلم وتندد به وتتوحد بالمظلومين خاصة الفئات الضعيفة من النساء والأطفال فى المجتمعات المختلفة لا فى مجتمعها الذى تعيش فيه فقط. و«جويش آش» لمن لا يعرفها هى شاعرة وأكاديمية أفريقية أمريكية أستاذة للغة الإنجليزية بجامعة هارت فورت، تخرجت فى جامعات من ثلاث قارات هى أفريقيا وأوربا وأمريكا. حصلت على درجة البكالوريوس فى اللغة الإنجليزية تخصص أول، وفنون المسرح تخصص ثان من جامعة ياوندى بالكاميرون. وحصلت أيضا على ماجستير علوم المكتبات والمعلومات من جامعة أبيريستويث، المملكة المتحدة. وكانت أطروحتها للدكتوراه فى فى الأدب الأفريقى من جامعة سيتى فى نيويورك. أسعدنى الحظ بترجمة ديوانها «نار جميلة» وكنت قد تصفحته بفضول وأنا أتساءل ماذا ستكتب شاعرة أمريكية من أصول أفريقية؟ كيف سيكون عالمها ؟ اهتماماتها؟ آمالها؟ وهل ستختلف كتابة القصيدة لديها عن كتابتى لقصائدى ونحن شاعرتان ممسوستان بنار الشعر وتاء التأنيث ونفس القارة التى أنضجتها الشمس على مهل وغسلتها الأمطار الآتية من السماء وشقها النيل بكفه الحنون. دخلت عالمها وأنا شغوفة كقارئة بالدرجة الأولى ومترجمة بالدرجة الثانية ففاجأتنى بشجاعة حرفها ونار عشقها وثوريتها التى تندد وتطالب وتحارب بالقلم والفكرة لإحقاق الحق وإرساء العدل والاحتفاء بالثوار فى كل زمان وتتوحد بقضايا الحرية والمرأة والأطفال بقدر ما تتوحد بنار العشق ولذة الحياة. حينما نقرأ ديوانها نار جميلة نتعرف جمال النار، نار العشق الذى يهبنا السعادة فى الحياة لتى تدفعنا للحياة ونار الثورة التى تبحث عن المعنى الحقيقى للحياة. ولا تستطيع العين أن تغفل اهتمامها الشديد بالمرأة، المرأة بوجه عام تلك التى تراها فى مصر أو سوريا أو العراق أو آسيا أو أمريكا نفسها. المرأة التى تلد ابنا يتفاخر به الأب وحينما يرتكب جرما ما أو ينحرف بشكل ما يتنصل منه الأب ويتهمها هى بسوء تربيته، ويقول لا يشبهنى ليس ابنى من يفعل ذلك لتبقى الأم هى الحامى والراعى، توقع أوراقا وتذهب إلى المحكمة وتحتويه هى كما احتوته وهو جنين فى بطنها. كما لا نستطيع أن نغفل جلساتنا الحنونة على حافة السرير نثرثر ونضحك ونحن نحكى ونتندر وتنطلق الضحكات العالية على تجارب المراهقة لدرجة تجعل عيوننا تدمع على أحداث عبرناها كأمهات ويعبرونها هم الآن مع اختلاف الزمن. أبناؤنا الذكور تحديدا لأنهم أكثر انفتاحا من البنات فى أمر الحكى عن حبيباتهم. ولا تغفل أيضا حالات العنف ضد النساء فى قصيدة أو أكثر فى أمريكا وأفريقيا التى أظهرت التنمر والتعامل معهن بدونية من الذكور والإناث أيضا من عائلة الزوج وبخاصة- أم الزوج - أو الزوج الذى يتخلى عن زوجته بعد إصابتها بسرطان الثدى وذبولها وانطفائها. كما أنها لم تغفل الحادثة الشهيرة المفزعة التى زلزلت القلوب للشابة الأفريقية مونيكا التى كانت حبلى بتوءمين
وعند الولادة رفض المستشفى استقبالها وهى فى المخاض لأنها لا تملك تكاليف إجراء الولادة بالمستشفى وظلت ملقاة خارج المستشفى حتى توفيت فقامت إحدى قريباتها بشق بطنها بموس أو سكين لتخرج التوأمين اللذين كانا يستنجدان فى بطنها من أجل الهواء ليعيشا فخرجا إلى الحياة ولم يعيشا أيضا، لم تغفل جويس تلك الواقعة الكارثية التى تدين الحكومات والأنظمة والفقر وخاصة فقر النساء، كما لم تغفل أيضا ما حدث للأكراد فى مدينة عفرين على يد داعش، كل البشاعة والإبادة والعبودية التى شاهدناها وقرأنا عنها تتصدى لها وهى تعيش فى أمريكا لو يحاسبها أحد إن لم تهتم، لكن ضمير الشعر يأبى وناره المضيئة للحياة والحارقة لكل صكوك الظلم تأبى ذلك. وكما لم تغفل وحشية داعش وبربريتهم لا تنسى ما حدث للفتيات من اختطاف على يد جماعة بوكو حرام شاركت الآباء والأمهات مشاعرهم ودموعهم وتوسلاتهم للحكومات وللخاطفين وشاركتهم يأسهم الذى لم يترك لهم مجالا سوى فى حدوث سحر لتعود الفتيات. لم يقتصر اهتمام جويس على ذلك فحسب لم تندد فقط ولم تقف بقلمها وقصائدها فى وجه البشاعة فقط ولكنها تجاوزت ذلك إلى ما هو أبعد من حدود حياتها الخاصة وحدودها الجغرافية التى تقيم فيها فكان كل العالم عالمها وكانت النساء كل النساء أخواتها وكتبت ما تؤمن وهو أن البشر جميعا إخوة لا فرق بينهم سواء كان فى المغرب أو أمريكا وأن باستطاعتهم التفاهم والتواصل الإنسانى حتى بدون لغة مشتركة إذا صدقت النوايا وهى دعوة فى حد ذاتها للمحبة والتسامح ودرء الحرب ليصبح العالم كل العالم أجمل.