محروق الدم أكتب عن حادث العياط.. طفلة بين الـ15 والـ16 من عمرها يصادفها سكين فى أزمتها فتمسك به وتسدد نصله فى رقبة من كان سببًا فى أزمتها.. هى فى العرف العام قاتلة وهى عندى ليست كذلك.. أزمة الطفلة بدأت بخدعة من شاب يعمل سائق ميكروباص. الشاب استعد بجريمته باستدراج الفتاة إلى طريق جبلى بالعياط وهددها بالسكين إذا لم يحصل على ما يريد من جسدها.. بثبات البراءة تصرفت الطفلة التى دخلت مرحلة الأنوثة.. أوهمته بالموافقة ولما ترك السكين جانبًا ونزل من باب السائق وأغلق الباب متجهًا للباب الآخر وكله نشوة بالانتصار يفتح الباب واثقًا من استسلام فريسته.. ولكن الطفلة كانت قد قررت فى ثوان أن رقبة المغتصب هى أقل ثمن يدفعه.. أمسكت السكين بقوة هو يفتح الباب وهى تفتح رقبته بالنصل وتهرب.. يطاردها كاتمًا دمه بيديه.. فتستدير له وتجهز عليه تمامًا.
يتعالى صراخها فيفزع إليها الناس. جثة وسكين وطفلة فى ملابس غارقة بالدماء. وفى وسط هذه الهيستريا تطلب من الناس توصيلها لقسم الشرطة. هناك تحكى وتبكى يستقبلها المأمور والمباحث وتأتى النيابة لمعاينة الجثة وإحالتها للطبيب الشرعى وإحالة الطفلة إلى نيابة الأطفال لاتخاذ اللازم.
هذه القضية يحتار القانون تجاهها وسوف يختلف الرأى العام حولها. بينما هو واضح أمامى وأستطيع تحديد موقف متعاطف مع الفتاة، وتعالوا نفتح الملف كله ولا تترك منه صفحة دون أن ننظر عليها.. البلطجة وعنف الشارع والاعتداء والسباب والصراخ والموتوسيكل الصينى وأغانى المهرجانات والجيران الذين يلقون القمامة أمام عتبات بعضهم البعض.. العشوائية والجهل والتجاوز وغياب الضمير والمخدرات والفهلوة والرشوة. فساد الموظف وغياب الأم وسرطان الطلاق. القبح فى واجهات البيوت وتكسر الأرصفة والأغذية الفاسدة.
نحن أمام متهمين بالجملة فإذا أردتم محاكمة الطفلة بالقانون كقاتلة.. فحاكموا كل المفردات التى سدت طريق الحياة الآمنة أمامنا. واذا أراد المجتمع المزايدة على الطفلة تحت شعار الأخلاق والشرف فلينظر المجتمع داخله سيرى الخشبة فى عينه بينما هو مهتم بالقشة التى فى عين أخيه.. لا ينقصنا التاريخ ولا الحضارة لنرتقي.. تنقصنا المنظومة الشاملة التى تؤكد على دولة القانون ترسخ المدنية تبتسم للحياة وتقديمها على ميزان العدالة الاجتماعية.. الكل أمام القانون سواء الكل صاحب حق وفى ذات اللحظة الكل مديون بالواجب.
طفلة العياط سددت السكين فى رقبة الاستخفاف بجسد الغير.. السكين التى قطرت دمًا.. لم أشاهد الدم الأحمر، ولكننى شاهدت السكين تقطر دموعًا على أحوالنا.. أكتب محروق الدم عندما أعرف أن ملايين المصريين قد يتحول بعضهم فى لحظة لا نعرف موعدها إما إلى قاتل أو قتيل. وهنا مربط الفرس.. إنه غياب الأمان ضياع الحقوق فقدان الطموح انتهاء قيمة العمل وتأكيد المجد للفهلوة الكاذبة والخلود للبلطجية المحترفين.. بلادنا بقدر ما هى بحاجة إلى علماء فى الطب والكيمياء والهندسة هى فى أمس الحاجة إلى علماء اجتماع ليقولوا لنا ماذا حدث للمصريين؟!.. أجراس الإنذار المتكررة التى تدق كل ساعة بجريمة هنا وحادث هناك تفرض على الجميع دولة ونخبة وأحزاب ونقابات.. تفرض على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية تفرض علينا جميعًا ثورة من نوع جديد ثورة هدفها الإنسان وغايتها التقدم واسمها ثورة الحضارة.