الجمعة 11 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العالم

تحكمها مصالح وحسابات معقدة.. هل تلعب موسكو دورا في حل الأزمة بين طهران وواشنطن؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام وفي مقال له بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية طالب دنيس روس، الذي يعتبر أحد عرابيّ السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط السابقين، إدارة الرئيس دونالد ترامب بالاستعانة بروسيا وعلاقاتها القوية مع إيران لإيجاد حل للازمة المتصاعدة بين واشنطن وطهران، وذلك من خلال إقناع طهران بالاستجابة للمطالب الأمريكية فيما يخص برنامجها النووي، وتساءل روس قائلا إنه إذا كان الرئيس ترامب يملك قدرًا من الثقة في نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فلماذا لا يستعين بالروس في توصيل رسالة للإيرانيين بخطورة المراهنة على أن أمريكا لن ترد عسكريًا على استفزازاتهم. 
وقبل ذلك بست سنوات، ساعدت روسيا الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عندما واجه مأزقا في سوريا، بعد تهديداته بأن الولايات المتحدة ستضرب سوريا، إذا عادت دمشق إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، وكان عليه إما أن ينفذ تهديداته، وهو ما لم يكن يريده أو يعترف بأن هذه التهديدات بلا معنى، وفي ذلك الوقت نجح الرئيس بوتين في الاتفاق مع الرئيس السوري بشار الأسد على نقل جميع الأسلحة الكيميائية السورية ووضعها تحت الرقابة الدولية، ليخرج أوباما من هذا المأزق. 
فإلى أي حد يمكن أن تلعب موسكو دورًا مماثلًا في الأزمة الحالية بين واشنطن وطهران، وهل من مصلحة موسكو، التي تعتبر الخصم اللدود على الساحة الدولية لواشنطن، إنهاء هذه الأزمة ؟ وما انعكاسات أي تصعيد عسكري في الأزمة الحالية على مصالح وحسابات روسيا في منطقة الشرق الأوسط ؟
يرى محللون ومراقبون سياسيون أن روسيا يمكنها أن تلعب دورًا ما في حلحلة الأزمة المتصاعدة بين واشنطن وطهران، وذلك بالنظر إلى علاقاتها الطويلة والقوية مع الأخيرة، خصوصا إذا ما طلبت منها الولايات المتحدة ذلك بشكل صريح، إلا أن هذا الدور لن يكون بدون مقابل، بل إن موسكو ربما تحاول اللعب على قلق واشنطن المتزايد من طهران لانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة في مناطق أخرى ولاسيما في أوكرانيا وشرق أوربا، كما أن موسكو في المقابل قد تستغل الأزمة للضغط على طهران لتقديم تنازلات لها على الساحة السورية في مقابل العمل على تهدئة التوتر مع واشنطن.
لكن أي دور روسي مرتقب في تهدئة الأزمة الحالية بين طهران وواشنطن دونه العديد من العقبات والتعقيدات التي تتعلق بحسابات ومصالح روسيا المعقدة مع طرفي الأزمة.
فموسكو تبدو مستفيدة من التوتر الحالي بين الطرفين على أكثر من مستوى، فهي أولًا ترى أن انشغال واشنطن بأزمتها مع طهران يمنح الروس حرية حركة أكبر على الصعيد الدولي وفي ملفات كثيرة، وثانيًا تبدو روسيا، كواحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط، من أكثر المستفيدين من أي ارتفاع متوقع في أسعار النفط العالمية نتيجة تصاعد التوتر الحالي في منطقة الخليج، كما أن تصاعد الاضطرابات في الخليج يعزز من جاذبية الطريق البحري الشمالي عبر روسيا كممر بديل للطاقة والتجارة.
وثالثًا: تمثل الأزمة والضغوط الأمريكية المتزايدة على إيران عبر سلسلة من العقوبات الاقتصادية الموجعة، فرصة مؤاتية لروسيا لتعزيز نفوذها ودورها على الساحة السورية على حساب تحجيم الدور الإيراني.
فعلاقات موسكو القوية مع طهران، لا يجعلهما حليفتين، بل إن هناك تنافسًا بينها على أكثر من مستوى سواء على الساحة السورية، أو في السوق النفطية باعتبارهما من أكبر الدول المصدرة للنفط، ومن ثم فإن العقوبات النفطية التي فرضتها واشنطن على إيران تصب في مصلحة موسكو وشركاتها النفطية.
ووفق هذه الحسابات يبدو بوضوح أن من مصلحة روسيا -على الأقل في الوقت الراهن- بقاء الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران، لكن شريطة عدم تصاعدها وانزلاقها إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، فهذا آخر سيناريو تتمناه موسكو، بل ربما تسعى للحيلولة دون الوصول إليه، بالنظر إلى انعكاساته الخطيرة على مصالحها ونفوذها المتزايد في المنطقة. 
وعلى ضوء ذلك فإن روسيا يمكن أن تلعب دورًا ما في تهدئة الأزمة الراهنة بين واشنطن وطهران، حتى وإن لم يطلب منها ذلك بشكل مباشر، في حال أيقنت أن الأمور تتجه للخروج عن السيطرة.
ففي هذه الحالة يمكن أن تسارع موسكو لاستخدام ما لديها من أوراق ولاسيما مع طهران، حيث سيوجه بوتين تحذيرًا قويًا لحلفائه الإيرانيين، الذين لن يكون بمقدورهم وقتها تجاهله.
وما يعزز هذا السيناريو أن موسكو حذرت مرارًا على لسان كبار مسؤوليها من المخاطر والعواقب التي يمكن أن تترتب على حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين، وأكدت ضرورة تجنب ذلك، وطالبت جميع الأطراف بضبط النفس.
أما الرئيس الروسي فقد حذر من عواقب استخدام القوة العسكرية ضد إيران، وقال إن هذا سيكون كارثة بالنسبة للمنطقة على الأقل، لأنها ستؤدي إلى تصاعد العنف، وربما زيادة في عدد اللاجئين من المنطقة.
هذا الموقف يظهر بوضوح أن موسكو تسعى لتجنّب وقوع صراع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران، ليس فقط لتداعياته الخطيرة على الاستقرار في المنطقة، ولكن لأن روسيا تدرك جيدًا أن هذا السيناريو سيعني تعزيز وزيادة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، وهو ما قد يؤثر على النفوذ الكبير الذي باتت تلعبه موسكو على الساحة الشرق أوسطية خلال السنوات الأخيرة.
هذا السبب يمثل -في رأي المراقبين- الدافع الأهم الذي قد يجعل موسكو تستخدم مختلف أدواتها الدبلوماسية وعلاقاتها مع طرفي الأزمة -خصوصًا إيران-؛ لمنع وصول الأمور إلى نزاع عسكري مباشر، بينما ستعمل في الوقت نفسه على توظيف التوتر الحالي على أكثر من جبهة سواء فيما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل والوضع في سوريا، أو لدفع الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات لها في ملف أوكرانيا، وتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، مقابل الضغط على الإيرانيين لحل الأزمة.
وتبدو روسيا -حسب العديد من المحللين- الطرف الأكثر قدرة على التأثير على طهران أو دفعها لتقديم تنازلات في أزمتها الراهنة مع واشنطن، بالنظر إلى ما تملكه من أوراق وعلاقات قوية مع إيران على الصعيدين العسكري والاقتصادي.
فروسيا تعتبر أكبر مصدر للأسلحة لإيران، وهناك تعاون بين البلدين في مجال الطاقة النووية، لطالما أيدت موسكو حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية، ووقفت ضد فرض العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران، وأكدت تمسكها بالاتفاق النووي بين إيران والدول الكبري، ونددت بالانسحاب الأمريكي منه.
كما أن موسكو تقف في وجه صدور أي قرار دولي يدين السياسة الإيرانية، كل ذلك يمنح موسكو مساحة للضغط على طهران لإقناعها بتقديم تنازلات في الأزمة الحالية؛ للحيلولة دون وصولها إلى المواجهة العسكرية.
والمتابع لمضمون التصريحات الروسية يتبين له أنها تحمل العديد من الرسائل المبطنة إلى طهران تحثها على تجنب وصول الأمور مع واشنطن إلى الانفجار.
فرغم إعلان موسكو تفهمها لقرار إيران الأخير بوقف بعض التزاماتها في الاتفاق النووي، إلا أنه وبعد أيام من ذلك نصح الرئيس بوتين، إيران بالبقاء في الاتفاق، بل تجاوز النصح إلى التحذير حين قال إن "روسيا ليست فرقة إطفاء، ونحن غير قادرين على إنقاذ كل شيء، لا يقع تحت إرادتنا".
تحذير بوتين المبطن لطهران رأى مراقبون أنه يعكس إدراكًا روسيًا بمحدودية الأوراق التي تملكها موسكو في حال اندلعت حرب في المنطقة، وبأنها لن يكون بمقدورها الدفاع عن إيران في هذه الحالة وهو ما قد يؤثر بشكل عميق على صورة روسيا كلاعب دولي على الساحة الإقليمية، ومن ثم فإن موسكو تعمل جاهدة على تجنب الوصول لهذه اللحظة. 
مما سبق يمكن أن نخلص إلى أن موسكو قد تسعى بقوة أكبر خلال الفترة المقبلة لطرح نفسها كوسيط بين واشنطن وطهران لنزع فتيل التوتر ومنع وصول الأمور إلى صراع مفتوح، فإذا كانت الأزمة الحالية تمثل فرصة لموسكو لتعزيز مصالحها ونفوذها على الساحتين الدولية والإقليمية، فإن ذلك يبقى مشروطًا ببقاء الأزمة تحت السيطرة، وهو أمر لا يمكن لموسكو الرهان عليه، خصوصًا أن معظم أوراق اللعبة في يد طرفي الأزمة فقط.