فى الويكيبيديا يرد أن المذكرات: نوع من أنواع الكتابة التاريخية وثيق الصلة بالسيرة الذاتية، والفرق بين السيرة الذاتية والمذكرات هو أن الأولى تروى قصة حياة الكاتب وتسجل خبراته ومنجزاته فى المقام الأول، على حين تُعنى الأخرى «أى المذكرات»، قبل كل شيء، بوصف الأحداث وتعليلها، وبخاصة تلك التى لعب فيها كاتب المذكرات دورا أو تلك التى عايشها أو شهدها من قريب أو بعيد، ومن هنا وقوعها فى منزلة متوسطة بين موضوعية التاريخ وذاتية السيرة الذاتية.
ومما سبق، فكتابة أول مذيعة تليفزيون ليبية «عايدة سالم الكبتي» على الحائط الأزرق «فيس بوك»، كتابة وصحفية لما لعبت دورا فيه، وكتابة تقريرية مباشرة سجلت من خلالها استعادة لذاكرة مشحونة بما عايشته، وإن كان فى زمنٍ ليس بالطويل- نصف العقد- شغلًا بالإذاعتين، ولكن مكسبها هو المناخ الذى طلعت من خلاله، كان مناخا نهضويا فى مجالات عدة، فى بلد يترسم خطاه ويشد على النواجذ بعناصره الوطنية، التى أظهرت دأبا وشغفا بأن يصير لليبيا كيانها وهويتها، ففى مناخ عايدة يحصل هذا خلال مرحلة العهد الملكي (1951-1969م): رئيس حكومة، عبدالحميد البكوش، يدخل الإذاعة ليسجل قراءته لشعره الذى يتغنى به فنانون، وزير ثقافة وأعلام، خليفة التليسي، يُهدى مذيعة ناشئة موسوعة ميسرة تسترشد بها فى برنامجها، سيدات يدمجن حضورهن فى الصحافة والإذاعة بأدوارهن فى المجتمع المدني، ضيوف وزوار من العرب والعالم يسيحون فى البلاد، ورأيهم عنها ساحته الوسائل الإعلامية، إن ما دونته عايدة على صفحتها مثَّل بعضًا من سيرتها وشهادتها الحية على زمانها المزدحم بزخم نهضوى سياسى وثقافى ومجتمعى، رغم إرث استعمارى كان له ثقله وظلاله.
كان حائط صفحتها الوسيلة والنافذة التى أطلت منها من غابت عقودا أربعة- (1970: 2012)، من ستعاود ظهورها لوسائل الإعلام عقب ثورة فبراير 2011م، ستخرج فى مقابلات مسموعة ومتلفزة وفى مواقع الإنترنت.
وما عنونته «خربشات من الزمن الجميل» مع أول حائط كتبته، وعن هذه التسمية تواضعا منها تجادلنا، فكتبت لاحقا، وعقب حلقات من مذكراتها عن: لماذا خربشات؟ وتعليلها بأنه استعادة شغفها، ولاحقا الأبناء والأحفاد، بخربشة أى ورق أبيض يجدونه كيفما أتفق!، فأتفقنا، وأنا أُعلمها بنيتى جمع وحفظ ما تكتبه على أمل إصداره باسمها، إنها اليوم تكتب ما له أثر وجدوى ليس خربشات!، إذ تسهم فى التوثيق لذاكرة العمل الإعلامى بما يتعلق بإسهاماتها الريادية لأول وجه مذيعة تليفزيون ليبية فى التوقيت الصعب، وما ينقل أيضا رحلة مجايلاتها، والمناخ الذى عمرت به المهنة، وكيف زاوج جيلها بين الصحافة والإذاعة والنشاط المدني، على ذلك هى كتابة تمثل فى جانب عام منها شهادة عصر ورواية تاريخ وأحداث ما يلزم توثيقه، والجانب الأهم شهادة مبتدأ مؤسستى وطن ناهض بعناصره الوطنية، وهنا أحد ردودها التى استندتُ إليها لإقناعها: كان يوم ذكرى عيد الاستقلال 1968م، أفتتحتُ التليفزيون لأول مرة، وقدمتُ كلمات المسئولين بهذه المناسبة.. كنتُ بمبنى التليفزيون أقدم الكلمات، وأنتقل إلى الزملاء فى النقل الخارجي.. كان كل شيء له رهبته فى ذلك الوقت، أنا فى الأستوديو والزملاء فى الميدان».
عايدة مؤخرا وساعة اغتربت عن بيتها لظروف الحرب بطرابلس 2014 م، وغادرت للإقامة مع أبنائها خارج ليبيا، كانت الكتابة السيرة والسرد بلسما لحالة الاغتراب التى عاشتها، ولعلها مقاومة النسيان، وهى من اعتبرت أن الصدى الذى لاقته من متابعيها دافعا ومشجعا للمزيد، فكلما تواصلنا لم تكف عن جملة «ما زال لدى ما سأكتبه»، ومن يراجع تواريخ منشوراتها على حائطها سيرصد تلاحق بعض حلقاتها على ما يبدو كتابة يومية التزمت بها، وكأنها على موعد، بدأت أولى حلقاتها 22 مايو 2016، ومن جملة ما تحاورنا عن العائلة وخاصة الأقرب، وهم الأبناء من ذهبوا إلى أن ذلك لا جدوى منه، فمن سيهتم بسيرة والدتهم فى بلد العقود النابذة والطاردة لكل عمل مجتهد رائد، والانحياز لإقناعهم بمشروع الكتابة السيروية التى أوصلتها إلى ما تجاوز الخمسين حلقة.