على الرغم من أننى أستاذ علم النفس، داومت لسنوات طويلة على تقديم الوصفات العلمية والطبية للأمهات، حول كيفية تنشئة أطفالهم تنشئة سليمة.
إلا أنني اليوم، ولأول مرة، أستمد من تصرفات طفل، طفل صغير أعظم روشتة لى وللأمهات فى حياتنا.. وهى أن الهزيمة ليست نهاية المطاف فبإمكاننا الفوز مرة أخرى، فلا تحطموا أبطالكم.. هناك فرق بين اللوم والتحطيم.. فرق كبير فى المعنى والفعل، أدركته حينما ألقت بعض الجماهير زجاجات المياه على النجم محمد صلاح بعد خروج المنتخب من البطولة، وبرغم الضجيج الذى غطى استاد القاهرة بعد انطلاق صافرة الحكم لينهى مباراة مصر وجنوب أفريقيا، إلا أن صوت هذا الطفل من ذوى القدرات الخاصة وصل إلىّ جليًا وهو يمسك فى حديد المدرجات يحاول النزول إلى الملعب للدفاع عن صلاح، يبكى مخاطبًا والدته: «صلاح لأ يا ماما، No MO Mam».. والأم تهدئ من ثورة ابنها وتطمئنه وتضمه وتكرر معه نفس كلماته.. وتقول له: «هذه ليست النهاية لقد خسرنا لنتعلم.. لنقاتل مرة ثانية وثالثة.. وفى مرة ما علينا أن نفوز، بعد أن نكون قد تعلمنا الدرس وأعددنا للفوز عدته».
الحياة هكذا يا حبيبى مكسب وخسارة، فإذا كنا نفرح للمكسب، فلا بد أن نرضى عند الخسارة ونتعرف على أخطائنا ونعالجها، صلاح نجمك المفضل بخير لا تخشى عليه، غدا سيعود أقوى وسنحقق البطولة فى المرة المقبلة، وستكون أنت هنا لتهتف بالنصر لنجمك المفضل ولمصر.
الناس غاضبون بعض الشىء ليس كرهًا فى نجمك المفضل ولكن حبًا له، فلم يستطيعوا السيطرة على غضبهم ولا على انفعالاتهم.
انتهى حوار الأم مع طفلها الذى أكد بما لا يدع مجالا للشك أنه حقا «أمك جيشك الوحيد».
وروشتتى اليوم لكل الأمهات:
1- لا تكسرى القدوة فى عين طفلك مهما حدث ولو بكلمة، وعلميه أن يتقبل الحياة بحلوها ومرها، بهزائمها وانتصاراتها.
2- شاركيه لحظة بكائه وانفعاله ولحظة فرحه وضحكه ثم استغلى تلك اللحظات ورسخى فى ذهنه معنى جديدا للأخلاق.
3- علميه أن كل إنسان معرض للانكسار والإخفاق ويجب علينا ألا ننسى النجاحات السابقة لأنفسنا ولمن حولنا.
4- علميه أنه ما دامت الشمس تشرق فهناك أمل جديد ينتظره ومحاولة جديدة ونجاح جديد.
وأخيرا كنت أتمنى أن يراعى جمهور مصر العظيم وجود أطفالنا ووجود أسر الشهداء فى المدرجات، وبرغم مرارهم أن يهتفوا باسم مصر.. باسم الشهداء.. فقد مررنا بكثير من المحن، وآن الأوان أن يتعلم شعبنا العظيم الدرس الأهم فى الحياة، أن يتمالك نفسه عند الغضب.. فلا يدمر الأشياء الغالية دون أن يشعر.. ومنها قلب هذا الطفل الصغير من ذوى القدرات الخاصة، الذى رأيته فى هذه الحالة، ومن المؤكد أن غيره كثيرون كانوا على حالته، يملئون الاستاد.
