أواخر الخمسينيات مع الانطلاق الرسمى لمؤسسة الإذاعة والتليفزيون (إذاعة المملكة الليبية 1968 م) ستتوالى أصواتهن على الأسماع، ستلج الإذاعيات المسموعات حميدة البراني، وحليمة الخضري، وأمينة الودانى بمحطة بنغازي، وبموازاة ذلك مع الستينيات بمحطة طرابلس ستدخل المبنى: زهرة الورفلي، فاطمة الناجح، نجية الطرابلسي، لطفية بن موسى، عائشة الديلاوي، عائدة الكبتي، سنلحظ أن فارق السنوات فى تاريخ البدء الوظيفى ليس بعيدا عن بعضه عندهن، منهن من ستواصل العمل، ومنهن من ستفرض ظروفا اجتماعية وإعلان توقفها، ومن ذلك الزواج أو الانتقال إلى مجال آخر يحظى بالقبول المجتمعى كمهنة التدريس. وستجعل المركزية مع نهاية السبعينيات من طرابلس محطة بث تليفزيونية لقناة حكومية رئيسة، فيما مختارات برامجية سيجرى بثها ربطا من محطة بنغازى التى لن تشهد تحديثا للقناة الرئيسة بها لعقود تالية.
مذيعة التليفزيون الأولى
عايدة سالم الكبتى الفتاة الموظفة بالمكتبة الفنية بالإذاعة ذات الخمسة عشر ربيعا تقدمت برغبتها، ودخلت اختبارا لتصبح مذيعة، وستنخرط وتصير من جيل الإذاعيات الثاني، اللاتى لحقن بالإذاعة المسموعة بطرابلس، والملفت لفتاة فى سنّى مراهقتها أن تتوجه للعمل قاطعة دراستها، بل وتقبل عملا بمؤسسة لا تقدم عليها النساء تماهيا مع نظرة المجتمع الذى لم يمنح لهن صك قبول ورضا وظيفيا لغير سلك التعليم، فما الظرف الذى جعل من عايدة تفتح بابا شبه مغلق، ومحمولا بثقل حكم مسبق لمن ينشده فما بالك بمن يدخله عن سبق إصرار وترصد!.
لعل معطيات توافرت: نشأة، وأسرة، وطفولة جعلت عايدة واثقة الخطو، ليس لها أن تلتفت فتجد من يمسك يدها ممانعا ولوجها مبنى الإذاعة (الراديو كما التليفزيون)، هذا ما ميز طريقها عن ظروف جيل الريادة، بل وجيل مواكب لها، ففى صفحات سيرتها لا نقرأ عن صعوبات مثلت حائلا وسد طريق، ولا صوتا عائليا قريبا أو بعيدا يضرب بنعوته ووصفه بما ترتكبه من محظور اجتماعى بالقياس لتاريخ ولوجها مبنى الإذاعة، بل لم تكن عايدة لتنتبه لذلك وتصيخ له السمع، على ذلك فلعايدة مرجعية منبتها محيط يرجع فى ارتباطه مولدا الى الشرق الليبى الذى جغرافيته وانفتاحه على مصر ومعاصرة أحداث مُؤسسة فى مناخ ثرى حقق قفزات اجتماعية وثقافية من مشمولاته نهضة وتحرر نسائها، مجتمع مدني، وصحافة وأعلام وفنون، ما سينتقل صداه عربيا، ومنه نهضة نساء ليبيا شرقا ثم غربا، وقبل كل ذلك هجرة الجد التاجر والأب هربا من الحرب ليستقرا فى مصر سنوات، ولتصير والدتها (ليلى ياقوت البربرى) خريجة كلية اللغات أصيلة مصر الاستقرار والملجأ، وفضاء العمل التجارى لعائلة الكبتى جدا وأبا، عايدة وكل أخوتها ولدوا وعاشوا طفولتهم بقلب القاهرة، حياة وأجواء العائلة سهلت كثيرا حلم عايدة وما رغبت فيه، وهى التى قضت سنى تعليمها بعوالم منفتحة عاصرت فى مراهقتها نشاطات الجالية الليبية بالقاهرة، عزفت بفرقة المدرسة الموسيقية، خرجت فى رحلات مدرسية تتكشف حضارة مصر أهرامها ونيلها ومدنها وبشرها، قاربت تلميذات صفها وهن بنات عائلات مستنيرة تقاسمت معهن دورها بالإذاعة المدرسية، تابعت فى راديو وتليفزيون مصر «ماما سميحة»، «وأبلة فضيلة» قائدتى برامج الطفولة، عايدة بسنى الولادة، وعمل الوالد، والدراسة، كلها عوامل تفاعلت وأهلتها أن تتسلح بشخصية مشتبكة مبكرا مع الحياة ما سيكسبها بأن تقرر أن تكون ذاتها، وتواصل خيارها بما عاشت وخبرت، والشروط الداعمة لذلك توفرت، روافد عائلية، وبيئة قاربتها ومتحت منها.