العمليات المتواصلة من تركيا لنقل إرهابيين من إدلب السورية إلى ليبيا هى عمليات لا تهدف إلى تمكين السراج وحكومته من الانتصار على الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، فكل مبتدئ فى دنيا السياسة والصراع يعرف أن أردوغان يواصل حماقاته ضد مصر ويحاول الاقتراب من الحدود المصرية الغربية.. عمليات نقل الإرهابيين وتصعيد الحرب على الأراضى الليبية تتم أمام أعين العالم، ولكن المجتمع الدولى كعادته يلعب الشطرنج.. لا إدانة ولا رفض ولا تلويح بعقوبات على المجرم التركي.. لذلك فإن الرهان على المجتمع الدولى ليحل مشاكلنا هو رهان خاسر.
وأعتقد، بل أثق أن تلك المعادلة واضحة أمام متخذ القرار المصري.. لا يكفى إعلان الرئيس بوتين قلقه من العملية الأردوغانية التى تنقل ساحات التوتر فى الشرق الأوسط نحو الحدود المصرية.. الصديق الروسى له حساباته المعقدة مع عدونا التركى ولا ينبغى أن نعول على أن ينشغل بالأزمة إلا أصحابها.
مصر التى ترصد وتتابع قامت بتوقيع اتفاقية مد خط الغاز مع قبرص رغم الصراخ التركي.. مصر تعرف طريقها ويتبقى أن يعرف الرأى العام المصرى خصومه.. لذلك العجب كل العجب من كل وسائل الإعلام المصرية مقروءة ومسموعة ووسائل التواصل الاجتماعى الغائبة تماما تقريبًا عن هذا الدور.. الحرب الصامتة تدور فى جانب بينما الإعلام منشغل بتفاصيل لا تتناسب مع حجم وخطورة ما يحاك لنا.
جاءت التحركات التركية بينما الرأى العام المصرى منشغل ببطولة الأمم الأفريقية فى حين تقدم السراج على الأرض فى ليبيا واستعاد مدينة الغربان ذات الأهمية البالغة فى عملية الإمداد فى الحرب.. الحالة فى ليبيا تستوجب الاهتمام، والحرب هناك لا تخص الجيش الوطنى الليبى وحده، ولكنها تخص كل من يؤمن بأنه لا مكان للإرهاب المسلح على الأرض.. الصمت وغياب الحقائق وعدم الاستعداد يطيل من عمر الأزمة.
السراج يتحرك صوب أنقرة خلال اليومين الماضيين ليلتقى أردوغان طالبًا المزيد من المساعدات العسكرية، ولا يتأخر الأحمق التركى عن تلبية طلبات الإرهاب وبأسلحة أمريكية ينتقل الموت من تركيا إلى ليبيا، وهو ما يضع ترامب نفسه فى موضع المسئولية لمخالفة الجانب التركى قواعد نقل السلاح.
المهم فى كل ما يدور الآن والحاسم فى المعركة هو يقظة العين المصرية واتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية حدودنا الغربية.. على الرغم من بروز بعض الثعالب الإرهابية الصغيرة التى طلت علينا قبل أسبوع فى العريش وسيناء، إلا أن المعركة ضد الإرهاب هى معركة مصير ولا تراجع عنها لارتباطها بمصير الإنسانية.
لماذا أكتب كل ذلك متوترًا قلقًا؟.. اكتبه ردًا على غياب المنظومة الإعلامية المصرية المحترفة.. تلك المنظومة التى كانت ذات يوم واحدة من أدواتنا فى القوة الناعمة.. وإذا لم يتنبه متخذ القرار لخطورة غياب الرأى العام المصرى كشريك فاعل فى معاركه، ستكون الصعوبة فى إحراز النصر النهائى هى الطريق الشاق الذى نمشى عليه.. أكثر من مائة مليون مواطن مصرى من حقهم الاطمئنان ومن حقهم المعلومة ومن حقهم المشاركة.. جيراننا فى غزة يقيمون سرادقات العزاء للمخلوع مرسى والجار فى طرابلس يقوم بالتنسيق مع عدو لدود لنا والجار فى الخرطوم يتعثر فى ثورته مرتبكًا.. لا حدود آمنة لمصر سوى البحر الأحمر والبحر المتوسط..
لذلك أكرر ولا يصيبنى الملل من التكرار أن الحالة التى تعيشها بلادنا من مخاطر هى حالة تستدعى «الانتباه».. كلى ثقة فى قدرة الجيش المصرى وتجهيزاته. علينا فقط إيقاظ الروح لدى الشعب المصرى؛ ليكون على وعى بما يدور على الأرض من مختلف الاتجاهات، وليعرف على الأقل ويقدر أن المعركة أكبر كثيرًا وأطرافها عديدة، وأننا فى وقت حرب لا تقل عن أى حرب خضناها.