الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

متلازمة «صفقة القرن»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هناك طرفان يبدوان بعيدين كل البعد عن بعضيهما، ومع ذلك يجمعهما الهوس ببريق ما يعرف بصفقة القرن.

أحد الطرفين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، أما الطرف الثانى، يمثله بعض المحسوبين على المعارضة المصرية، فقد بدا كل منهما يعانى مما يمكن تسميته متلازمة «صفقة القرن» التى باتت تطارده فى اليقظة والمنام؛ فبريقها نسج فى خيال التاجرين الجشعين ترامب وكوشنر حجم ما سيجنونه من مكاسب سياسية واقتصادية جراء صفقة لن تكبدهم الكثير وستتحمل دول الخليج الحصة الأكبر من تكلفتها المقدرة بـ٥٠ مليار دولار.

بينما الطرف الثانى وجد فى اللغط حول شبه جزيرة سيناء الذى رافق الصفقة ما يعزز اتهاماته للدولة المصرية ومؤسساتها، وصم آذانه عن حقائق الواقع وتحول إلى أداة إسرائيلية لترويج الأكاذيب والشائعات بشأن مزاعم موافقة مصر على التنازل عن جزء من أراضى محافظة شمال سيناء ؛ فقد تراقص أمامه حلم الإجهاز على مؤسسات الدولة وإسقاطها.

فرغم تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة على عدم تفريط مصر فى ذرة رمل واحدة، إلا أن هذا التيار دأب على التشكيك فى نوايا الدولة، بل إن حملاته ترافقت دائما مع دعاية إسرائيل وحملات الإعلام الغربى بهذا الصدد.

وقد استغل نفس التيار مشاركة مصر فى مؤتمر المنامة لإعادة شن هجماته المشبوهة مرة أخرى رغم إعلان الخارجية مشاركة مصر فى الاجتماع بوفد يترأسه نائب وزير المالية بهدف التقييم لأعمال الورشة وليس لطرح أى أفكار أو مبادرات للتفاعل إيجابيا مع ما سيطرحه الطرف الأمريكى خلالها.

التصور الأمريكى لتسوية الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحول على يد رجال البزنس فى البيت الأبيض إلى مجرد صفقة تجارية يسيرها المال وتتحكم فيها معطيات الربح والخسارة.

هذه الطريقة التجارية فى إدارة واحد من أعقد الملفات السياسية جعلت ترامب وكوشنر يعتقدان أن بوسعهما إغراء الفلسطينيين بإقامة المشروعات الاقتصادية وتوفير فرص العمل ليعيشوا حياة أيسر، ويتصوران أن المال كفيل بدفع الفلسطينيين للتنازل عن حقوق أساسية أهمها حق العودة، والقدس الشرقية عاصمة فلسطين.

دعم اللوبى الصهيونى المطلق لترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ودمج إسرائيل بشكل كامل فى محيطها العربى وربما انضمامها لحلف استراتيجى ضد إيران ودخولها فى شراكات اقتصادية كبيرة، عوائد وأرباح إتمام الصفقة، التى يبدو أنها سيطرت على عقل الإدارة الأمريكية إلى حد الهوس، فراحت تتصرف بأساليب أفضت إلى نتائج عكسية، من شأنها إجهاض الصفقة.

فقبل ساعات من افتتاح ورشة المنامة لعرض الشق الاقتصادى أعلن جاريد كوشنر أن المبادرة العربية لن تكون جزءا من مشروع التسوية، وإن الواقع يتطلب حلا وسطا يجمع بين المبادرة العربية للسلام وما تريده إسرائيل.

حديث كوشنر الذى اختار قناة الجزيرة القطرية ليبثه عبر شاشتها، جاء بعد تأكيد وزير الخارجية المصرى سامح شكرى على التمسك بالمبادرة العربية كأساس لأى تسوية سياسية للصراع الفلسطينى الإسرائيلى وهو نفس الموقف الذى تبنته كل الأطراف العربية المعنية بالصفقة بدءا من السلطة الفلسطينية مرورا بالأردن ولبنان والمغرب ودول الخليج بما فى ذلك البحرين التى استضافت عاصمتها الورشة الاقتصادية.

وكأن صهر ترامب أراد إجهاض مشروع الصفقة على أعتاب مؤتمر المنامة، فليس من طرف عربى يجرؤ على تقديم هذا التنازل الكبير خاصة أن مبادرة السلام العربية تقوم على مقررات الشرعية الدولية التى تقضى بإقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو من عام ١٩٦٧ مقابل السلام وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل.

المؤكد أن كوشنر لم يقصد بهذا التصريح إفشال مساعيه لكنه يتصور ان ما يقدمه الشق الاقتصادى من إغراءات مالية كفيل لجعل العرب يفكرون بقبول الصفقة ولو بعد إدخال بعض التعديلات، ويؤكد ترسخ هذه القناعة لدى الإدارة الأمريكية الحالية الطريقة التى عرضت بها سفيرة الولايات المتحدة فى لبنان إليزابيث ريتشارد، الأمر على الحكومة اللبنانية فبنوع من التعالى والسخرية قالت هناك ٦ مليارات دولار عربون القبول بتوطين اللاجئين، وهناك دفعات أخرى، لماذا ترفضون دعوة مؤتمر المنامة والأموال المعروضة أليس ذلك أفضل من تحمل عبء اللاجئين دون مقابل؟!

السفيرة الأمريكية قالت أيضا حكومة بلادى ليست غبية حتى تعتقد أن مبلغ الـ٦ مليارات دولار كافية لإغرائكم بقبول توطين ١٧٤ ألف لاجئ فلسطينى.

المال يمثل العنصر الحاسم فى قبول أو رفض صفقة القرن من وجهة نظر إدارة ترامب إلى الحد الذى دفعها لوضع تصور للشق السياسى يخاصم المبادرة العربية والقرارات الأممية حول حقوق الشعب الفلسطينى.

هذا الهوس الأمريكى بمكاسب صفقة القرن قد يدفع إسرائيل إلى احتلال مساحات شاسعة من أراضى الضفة الغربية الخاضعة للسلطة الفلسطينية وبناء المزيد من المستوطنات، لكنه أدى فى نفس الوقت إلى إجهاض مشروع الصفقة فلن تلقى قبولا لدى العرب، الذين أكدوا على تمسكهم بمبادرتهم فى قمم مكة الثلاث التى انعقدت نهاية الشهر الماضى، ولن يقبلوا مقايضة مواقفهم ببضعة دولارات.