الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

رحل طائر الحب وبقيت الذكريات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أخبار كثيرة مؤسفة ومفجعة، خرجت علينا، طوال الفترة الماضية، إلا أنها لم تكن شيئًا أمام خبر مرض النجم الكبير عزت أبوعوف ودخوله غرفة العناية المركزة، فى هذا الوقت، إذ لم يكن يشغلنى سوى مُتابعة أخباره لحظة بلحظة كل يوم، وأتحدث مع زوجته وأبنائه وشقيقته وتوءم روحه «مها أبوعوف» -مثلما كان يؤكد لى فى كل حديث بيننا- أملا فى أن أجد خبرًا يسعدني، ويؤكد أن حالته الصحية جيدة، وأنه فى طريقه لمغادرة المستشفى، لم أفقد الأمل أبدًا فى ذلك، كُنت أدعو له كما يدعو له الجمهور المصرى والعربي، فهو حالة نادرة وفريدة فى الفن المصرى لا يمكن تكرارها، إلا أن شأنى كشأن عُشاقه، أصبت بحالة من الذهول والحزن حين تأكد لى خبر رحيله، وهو الأمر الذى لم يكن مفجعًا فقط لعائلته بل امتد إلى عُشاقه ومحبيه ومريديه وتلاميذه الذين تربوا على يديه أمام الكاميرات، جاءنى الخبر الذى تمنيت كثيرا أن يكون كاذبا، إلا أننى تيقنت من سقوط عصا المايسترو للأبد، لم أتمالك نفسى وأصبت بنوبة من البكاء الهستيرى ليس حزنا على فنان لن يأتِ مثله فى تاريخ الفن المصرى والعربى، بل على «أبوعوف» الإنسان الذى عرفته عن قرب، وأنا وقتها كُنت فى السنة الدراسية الأولى فى الجامعة، وأتذكر عندما بدأت العمل بالصحافة الفنية، كنت انتميت إلى أول مدرسة فنية فى بلاط صاحبة الجلالة، وهى مجلة الكواكب المصرية، تحت إشراف القائد والأستاذ «أشرف غريب»، وكنت أقف أمامه، وأرتجف من شدة الخوف فى أول يوم عمل، إذ كنت لا أصدق أنى أعمل فى مجلة عريقة مثل الكواكب، وكان أول سؤال لى على أول درجة سلم فى المهنة «لو عايزه تعملى حوار تحبى تعمليه مع مين؟ دون تردد أجبت: «دكتور عزت أبوعوف»، كانت تراودنى الفكرة بسبب السرية التامة التى أحاطت حياته بعد وفاة زوجته. 
سكت رئيس التحرير ثم قال: «حوار مع عزت أبوعوف الآن صعب، زوجته وحب عمره فاطيما توفيت منذ عدة أشهر، وهو لم يتحدث مع أحد ولا يريد التحدث، فكري فى حد تاني». 
فقاطعته قائلة: «هعمل معه الحوار، وهتشوف يا أستاذي، وسوف يتحدث معي، وليس تليفونيا فقط بل سوف أذهب إلى منزله»، فتركنى أكمل حديثي، وقال نصا: «أما نشوف» قومى استعدى لعمل الحوار والأسبوع القادم يكون على مكتبي».. ما قاله جعلنى لا أصمم على الفكرة، بل عزمت على الوصول إليه بأى طريقة وإجراء حوار صحفى كبير معه، اتصلت به لم يرد، وأرسلت له رسالة، وبالفعل اتصل بي، وكان ذلك توفيقا كبيرا من عند الله، وشاء القدر أن يرتب لى موعد الحوار، وذهبت إلى شقته الكائنة بالزمالك، وجلست معه أكثر من ساعة ونصف وبعدها هرولت إلى المجلة، وانتصرت على الأستاذ أشرف، وكان أبو عوف «وش السعد» على آنذاك، خصوصا أن الحوار نشر فى مجلة عريقة، كنت فى غاية السعادة وشعرت كأننى أحتضن العالم أجمع، وتم تكريمى من الجامعة، ومن وقتها لم تنقطع الاتصالات بينى وبين برنس الشاشة المصرية عزت أبوعوف وتوطدت علاقتى به هو وشقيقاته البنات وابنه كمال ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لقد وقف معى كثيرا فى حياتى المهنية وهذا بالطبع ليس جديدا عليه، فكان يدّ العون لكثير من الشباب والشابات على مدار تاريخه، ولم يدخر جهدا على أحد قط.
أتذكر جيدا أننى أجريت حوارا صحفيا معه قبل وعكته الأخيرة فى منزله الجديد بأكتوبر، ونشر بجريدة «البوابة نيوز» وحينها خصنا أبوعوف بهذه الزيارة، وقمنا بتصوير المنزل من أول باب الحديقة إلى الصعود حتى غرفة نومه الخاصة، فكان حقا منزله واحة من الفن والجمال، أتذكر حينها فور عبورى من الباب شعرتُ للوهلة الأولى وكأنى فى زيارة لمتحف يحمل من ملامح الفن الكثير من صور الرقى والجمال فأسلوب حياته الذى تربى عليه جعله يهتم بكل التفاصيل واللمسات فى مختلف أرجاء المنزل، الديكورات منمقة بإتقان شديد، تجمع بين الفخامة وتحمل عبق الخلود ورائحة تنقيب الذكريات تهف من التحف والأنتيكات والسيارات الكلاسيكية التى لا تقدر بثمن. لا تجد فى بيت عزت أبوعوف ركنا خاليا من لوحة فنية وقطع أثاث راقية، فضلًا عن سيارات تعود إلى قرن من الزمان، كان يملكها كبار السياسيين والفنانين أيام عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ما أكد لنا حينها أن هذه هى المرة الأولى التى يسمح بها للصحافة المصرية بجولة داخل منزله لمشاهدة سيارة الزعيم جمال عبدالناصر، وسيارة زوج كوكب الشرق أم كلثوم، وبورتريهات زوجته الراحلة فاطيما، وبعدها أشاد بهذه الزيارة التى نشرت فى جريدة «البوابة»، الوزير الأسبق عبدالمنعم عمارة، وكتب عنها مقالا بجريدة المصرى اليوم. 
عزت أبوعوف فنان ذو حالة خاصة لن تتكرر، وبعيدا عن موهبته الفنية التى لا يختلف عليها اثنان، فهو مثال للفنان الكبير والعظيم والإنسان المثقف المتواضع، فعندما أتحدث عن برنس الشاشة المصرية عزت أبوعوف حتما أتحدث عن جزء لا يتجزأ منا، ومن تاريخ هذا البلد، وأستطيع أن أقول: «إنك نعم رحلت عن دنيانا.. لكن ستظل فى قلوبنا، وضحكتك وابتسامتك الصافية لا تفارق عيوننا لحظة.. الله يرحمك ويجعل مثواك الجنة».