انتهت انتخابات مجلس الشعب لعام 1984 بنظام القائمة النسبية التى لا يمثل فيها أى حزب بالمقاعد التى حصل عليها، إلا إذا كان قد حصل على نسبة 8% من مجمل الأصوات الانتخابية على مستوى الجمهورية، وفى هذا العام لم يحصل على هذه النسبة غير الحزب الوطنى الذى يرأسه مبارك والحاصل على الأغلبية، ومعه حزب الوفد الجديد المتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، الذين حصلوا على ستة مقاعد لكوادرهم التى ترشحت على قوائم الوفد، وكان يرأس المجموعة البرلمانية لحزب الوفد المستشار ممتاز نصار، الذى كانت له مواقف مشهودة على أرضية قانونية أكثر منها سياسية نظرًا لوضعه كمستشار ورئيس محكمة سابق، ولم يحصل حزب العمل الاشتراكى، ولا حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى على تلك النسبة، فلم يدخل أعضاؤهم الحاصلين على المقاعد على مستوى دوائرهم الانتخابية إلى المجلس. هنا ومن منطلق محاولة نظام مبارك باحتواء المعارضة ومحاولة العمل على تمثيل كل الأحزاب المشاركة فى الانتخابات، التى لم تحصل على نسبة الـ 8 % قام مبارك بتعيين خمسة أعضاء من حزب العمل الاشتراكي، وهم: إبراهيم شكري، محمد العزازي، أحمد مجاهد، ممدوح قناوي، سيد رستم. أما حزب التجمع؛ فقد عين منه مبارك الدكتور ميلاد حنا، الذى اختير رئيسًا للجنة الإسكان بالمجلس، فى الوقت الذى لم يوافق فيه حزب التجمع على هذا التعيين تماشيًا مع تمسكه بمسافة بينه وبين النظام كحزب معارض، ولذا تم تجميد عضوية ميلاد حنا بحزب التجمع.
كان مجلس الشعب هذا مجلسًا يتوافق مع الظرف السياسى حين ذاك، خاصة بعد اغتيال السادات، وبعد عملية اعتقالات سبتمبر 1981، ولكن تم الطعن على عدم دستورية قانون انتخابات هذا المجلس، وتم الحكم بعدم دستورية المجلس على اعتبار أن القانون يحرم المرشح المستقل غير المنتمى للأحزاب من حق الترشح، فتم حل المجلس.
فى هذه الفترة لا شك أنه كانت هناك آمال بتحقيق نظام ديمقراطى حقيقى مع النظام الجديد، خاصة بعد تجربة السادات التى جمعت كل أشكال المعارضة لنظامه، لتنتهى بهم بأحداث سبتمبر 1981، إلا أن تجربة انتخابات 1984 لم تعط أملًا فى هذه الديمقراطية؛ حيث إن حاجز الـ8% كان معوقا حقيقيا للممارسة البرلمانية للأحزاب، ولذلك توافقت المعارضة والأحزاب السياسية فى خطوة تذكر، وقاموا بعمل مؤتمر للمعارضة فى السيدة زينب فى فبراير 1987، وقبل انتخابات مجلس الشعب الجديدة، وكانت المطالب حول إلغاء نسبة الـ8% وحرية الانتخابات والإشراف القضائى على الانتخابات، وتم تعديل قانون الانتخابات بأن أضيفت مادة تعطى المستقلين حق الترشح الفردى مع القائمة الحزبية.
هنا وبعد تجربة ائتلاف الوفد مع الإخوان، وحصولهما على نسبة الـ8% التى كانت حاجزًا مخيفًا بالنسبة للأحزاب، أصبحت عملية الائتلاف مغرية لبعض الأحزاب، خاصة أن حزب الوفد الليبرالى كان قد تحالف مع جماعة تنسب إلى التيار الدينى الذى يتعارض مع التيار الليبرالي، لكنه التكتيك السياسي، وحيث إن حزب العمل الاشتراكى كان قد حصل على نسبة لا بأس بها بمفرده، فكان هناك تفكير بعمل ائتلاف حزبى فى قائمة تضم كل الأحزاب كجبهة موحدة فى انتخابات 1987، فكان بعد حصولى على مقعد على قائمة حزب العمل فى انتخابات 1984، فقد انضممت إلى حزب العمل الاشتراكى بعد ثلاث جلسات لعدد من الساعات مع الأستاذ إبراهيم شكرى، حول برنامج وتوجهات الحزب، الذى رأيت أنها لا تتعارض جذريًا مع توجهى اليسارى الناصري، فانضممت إلى حزب العمل، وانتُخبت عضوًا فى اللجنة التنفيذية، وهى أعلى مستوى تنظيمي، ونظرًا لهذا الموقع الحزبى كنت أحد الذين شاركوا فى نقاشات التحالف بين الأحزاب، فطلبت أن ينضم لهذا الحوار حزب التجمع باعتباره الحزب الذى تربيت فيه وتعلمت من كوادره وقياداته، وكذلك انضمام الحزب الناصري، وكان هذا نوعا من الحماية النفسية لى فى مواجهة التحالف مع جماعة الإخوان التى لا تتوافق معى باعتبارى ناصرى وابن التجمع، وبالفعل تم اجتماع قيادة هذه الأحزاب فى مكتب إبراهيم شكرى مع قيادة الإخوان وحزب الأحرار، أى أن الاجتماع ضم أحزاب: العمل والأحرار والتجمع والناصرى والإخوان، أما حزب الوفد فلم يشارك فى فكرة هذا الائتلاف الحزبي، وهنا كنت سعيدًا عندما تصورت، بل قل تخيلت، هذا التحالف الذى يضم التجمع والناصري، لكنها كانت خيالات من صندوق أحلامي، فقد جاء الإخوان فى هذا الاجتماع باعتبارهم المنقذ والمخلص الذى أعطى الفرصة للوفد للدخول إلى مجلس الشعب على عكس حزب العمل الذى لم يحصل على النسبة المئوية، كان هذا فى الوقت الذى كان فيه الأستاذ عادل حسين، وهو من القيادات الماركسية التى تحولت إلى التيار الإسلامى الذى يعتمد على فكرة الحضارة الإسلامية التى هى جامعة وصالحة للمنطقة، خاصة بعد نجاح الخمينى ونجاح ثورته فى عام 1979، وهو الوقت الذى كان فيه عادل حسين فى إيران، هذا الفكر الذى حمله عادل حسين جعل هناك تقاربا بين حزب العمل باستشارات عادل حسين، واعتمادًا على اللمسة الإسلامية لحزب العمل، حينما كان حزب مصر الفتاة الذى أسسه أحمد حسين شقيق عادل حسين، هذا التقارب كان قد تحول إلى مشروع ائتلاف بين العمل والإخوان والأحرار، القريب منهم، ولذا كان الاجتماع مع التجمع والناصرى ذرًا للرماد وحفظًا لماء الوجه، فجاءت نسب التجمع والناصرى فى القائمة لا تليق بهذه الأحزاب، بل إن طرح هذه النسب كان نوعا من الإهانة غير المباشرة لهما حتى يتم اعتذارهم، ويكون هناك مبرر للتحالف الثلاثى «العمل، الأحرار، الإخوان» بعيدًا عن باقى الأحزاب، خاصة بعد مؤتمر الأحزاب الذى عقد فى فبراير 1987، فكانت قائمة التحالف بين العمل والإخوان والأحرار، والأهم كان البرنامج الانتخابى لهذا التحالف الذى كان شعاره «الإسلام هو الحل»، ونستكمل فى المقال التالى بإذن الله.