الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

30 يونيو.. حتى لا ننسى (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لأن آفة حارتنا النسيان، كما يقول عمنا نجيب محفوظ، ولأن ذاكرتنا مثقوبة، سرعان ما تمر منها الأشياء فلا نتذكر ماذا أكلنا بالأمس، أرى أنه من الضرورى أن نسترجع معًا بين الحين والآخر ما حدث لمصر والمصريين طوال سنة كبيسة سوداء بدأت فى 30 يونيو 2012 وانتهت بثورة الشعب فى 30 يونيو 2013، هذه السنة التى وصلت فيها جماعة الإخوان إلى سدة الحكم، بأفكارها المضادة للدولة الوطنية، وقد ذكرنا فى المقال السابق، كيف وصل مرسى مندوب هذه الجماعة إلى قصر الاتحادية بفضل عاصرى الليمون الذين أقنعتهم الجماعة بأن حكمها أخف وطأة من عودة إنتاج النظام القديم فى حالة فوز الفريق أحمد شفيق، والذى تصور بعض أنصاره أنه ناجح لا محالة، وأن الانتخابات ستكون صورية، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيتدخل فى العملية الانتخابية لصالح شفيق، ولم يكن فى ظنهم أن القوات المسلحة كانت محايدة، ولم تتدخل فى شيء، وكانت أمينة على مصر طوال فترة وجودها فى الشارع منذ نزولها إليه مساء يوم 28 يناير2011، فحافظت على الدولة ومؤسساتها فى ظل ظروف عصيبة كادت تدفعنا إلى حرب أهلية كالتى نراها فى بلاد مجاورة، وهؤلاء الذين ظنوا أن شفيق ناجح لا محالة قرروا استثمار العطلة التى وهبتها الحكومة آنذاك للناخبين، وذهبوا جميعًا إلى الشواطئ، يمرحون ويسبحون، فإذ بالصدمة تأتيهم عند إعلان النتيجة على لسان المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للإنتخابات، وبات الجميع أمام أمر واقع، لكنه شديد المرارة، فالمثقف القارئ للتاريخ يعى أن هذه الجماعة قد أتت من خارج سياق الدولة المصرية، تلك الدولة القديمة العميقة التى أعاد تأسيسها وتنظيمها محمد على فى 1805، على أطلال دولة متناهية فى القدم، فهى أقدم دولة فى التاريخ، واستمرت وبقيت الدولة المصرية الوطنية حتى عندما قامت ثورة 52، إذ لم يخرج الثوار وقتها عن نسق الدولة الوطنية، أما الإخوان فقد جاءوا بفكر مغاير، فهم يؤمنون بأن المسلم الماليزى أقرب إليهم من المسيحى المصرى، ويعتقدون أن هذه الحدود الجغرافية صنيعة الاستعمار، وأن الدولة الإسلامية أو الخلافة هى الغاية الكبرى التى يجب الوصول إليها، وهذه الأوهام تسببت فى بحار دماء لم تجف بين المسلمين وبعضهم البعض منذ الخلافة الراشدة، وانتهاء بالعثمانيين الذين تركوا مصر للاستعمار الإنجليزى ولم يفكروا فى إنقاذها، بل عقدوا معاهدة لضمان وصول الخراج المصرى إلى الآستانة فى ظل وجود المحتل الإنجليزى، ونعود إلى مرسى حيث كان رجل الشارع العادى يأمل فى صدق وعده الذى قطعه على نفسه، بحل خمس مشكلات أساسية فى مائة يوم، بالإضافة إلى البدء فى تنفيذ مشروع النهضة، وها هو ذا يتولى المسئولية ولكن ماذا فعل؟.. فى اليوم الأول حدثت مشكلة بينه وبين قضاة المحكمة الدستورية، على كيفية حلف اليمين، وهذا ما ذكرناه تفصيلًا فى المقال السابق، ولما انتصر القضاة للرأى القانونى، ذهب إلى جامعة القاهرة وأخذ يشكر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم ذهب إلى مقر القيادة المركزية؛ حيث أشاد بالجيش وأخذ يتحدث عنه طويلا وعن ولائه عبر التاريخ للشعب والوطن، وقال لهم: «كلكم فى عيونى، حتبقوا معززين مكرمين، أنا لن أنسى لكم دوركم، ربنا يقدرنى وأرد الجميل». ومما قاله أيضا «أنتم ملء القلب والسمع والبصر، كنتم دائما عند ظن شعبكم بكم، أشهد أنكم كنتم الرجال الذين يعتمد عليهم رغم صعوبة الطريق، أنتم تحبون وطنكم وتحرصون على تحقيق مصلحة شعبكم». وسلم المشير طنطاوى درع القوات المسلحة للرئيس المنتخب وانتهى الاحتفال، وكان من المقرر أن يعود مرسى إلى بيته بالتجمع الخامس، ولكنه أصر على الذهاب إلى الاتحادية، وعندما دخلها كان رافع الرأس وبدا حازما فى كلماته أمام العشرات الذين طلب دخولهم إلى مبنى الرئاسة، وجميعهم من أعضاء جماعة الإخوان، ووقف مرسى أمام موظفى الرئاسة ليطلب منهم تغيير سجادة قديمة مفروشة على الأرض بأخرى، ولما أخبره موظف الرئاسة بأن هذه السجادة قيمتها فى قدمها، صاح مرسى «خدوا بالكم أنا كلمتى واحدة، اللى قولته يتنفذ فورا واللى مش عاجبه ما يورنيش وشه»، ثم طلب منهم تغيير المكتب الذى كان يجلس عليه الرئيس مبارك، مرددًا «أنا مش هاقعد على مكتب واحد حرامى وقاتل ومسجون»، وأخيرا قدم لهم ابن شقيقته أسعد الشيخة، ليكون همزة الوصل بين موظفى الرئاسة وبينه، وجاء إليه قائد الحرس الجمهورى ليخبره أنهم قاموا باستئجار الشقة المقابلة لشقته فى التجمع لإقامة بعض أفراد الحراسة الخاصة، فأسعده ذلك، وكان قائد الحرس قد عرض عليه فيما قبل أن ينتقل وأسرته إلى قصر السلام الملحق بالاتحادية فرفض، وأرجأ الأمر بعض الوقت، وفى اليوم الثانى دخل مرسى إلى مكتبه واستدعى أحد المسئولين بالرئاسة وقدم له كشوفا تحوى ١٤٠٠ اسم، وطلب منه صياغة قرار جمهورى بتعيين كل هؤلاء داخل مؤسسة الرئاسة، وانزعج المسئول من هذا العدد الكبير وأخبره بأن الأمر يحتاج لدراسة الموقف المالى والدرجات الشاغرة ومراجعة الجهاز المركزى للمحاسبات، وكان رد مرسى «انتوا هتشتغلونى، أنا رئيس الجهورية ومن حقى أعمل اللى أنا عاوزه»، وهنا أدرك مسئولو الرئاسة أنهم أمام شخص عنيد لا يريد الالتزام بالقانون ولا بالقواعد المتبعة، خاصة عندما دخل إليه المسئول عن المراسم والبروتوكولات الرئاسية ليشرح له كافة الأمور المتعلقة بكيفية مصافحة الضيوف، وطريقة الجلوس والاستقبال ووضع الساق على الساق، والسير أمام طابور العرض، ومكان جلوس الرئيس إذا كان ضيفه وزيرا أو رئيسا، وملابس الرئيس فى الصباح والمساء، وقال له المسئول عن ذلك: إنك الآن تمثل مصر وتاريخها العريق وشعبها ويجب ألا يغيب عنك هذا، وأنت تجالس الرؤساء والوزراء والسفراء، وعليك أن تناقش جدول أعمال الاجتماع أولا مع الوزير المختص، وأن يكون حديثك فى ضوء التقارير التى ستأتيك من جهاز المخابرات ومن مجلس الوزراء، فكان رده الغريب «آه.. دا انتوا عايزين طرطور مش رئيس، انتوا هاتشتغلونى»، وكلمة «انتوا هاتشتغلونى» كانت مكررة على لسانه، وللحديث بقية.