السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الله يرحمك يا «دكتور رفعت السعيد»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مُشتاق لكتاباته، مُتلهف لآرائه، أحتاج دائمًا للاستزاده من عِلمه، أسرعت نحو مكتبتى الخاصة التى تتزين بمولفاته الرصينة، وأخذت كتابين له، هما «مجرد ذكريات، والتأسلم السياسى»، اخترتهما للقراءة رغم أننى قرأتهما مرات عديدة، ولم لا؟ فحكايات الدكتور رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع الأسبق، مُبهرة خاصة حينما تكون عن تلك الجماعة المتأسلمة، والتى تحتكر الدين وتتخذ منه ستارًا لهًا للوصول لأغراضها.
يقول الدكتور رفعت السعيد رحمه الله فى كتابه «التأسلم السياسى- جماعة الإخوان نموذجًا» جُملًا نعتبرها الآن نبراسًا لنا فى دراساتنا للجماعات التكفيرية الظلامية، ودليلًا لنا فى كل الأبحاث التى نقوم بها عن مراحل العنف التى مرت بها مصر: إن جماعة الإخوان تُصادر الدين لمصلحتها وتظُن أن منهجها هو وحده منهج الإسلام الصحيح ومن يقف ضدها يكون خارجًا على الإسلام، وبهذا فإن مبدأها يسعى للسيطرة على الإسلام لا للاتصاف به، كلمات لها دلالة واضحة وتُوضح كيف يخدعوننا باسم الدين.
كعادته، ينسِب الدكتور رفعت السعيد رحمه الله بعضًا من كتاباته إلى مصادرها الرئيسية ويقول: تتمادى عملية الخلط بين الجماعة وبين الإسلام الصحيح، فيكتب «صالح عشماوى» أحد قيادات الإخوان فى فترة الخمسينيات فى ثقة مثيرة للدهشة كلمات ذات مغزى يقول فيها: «إن أى اضطهاد للإخوان هو اضطهاد للإسلام ذاته»، وعندما قبض «جمال عبدالناصر» على بعض الإخوان فى مارس عام ١٩٥٤ خطب «عبدالقادر عودة»، عضو مكتب الإرشاد وقتها، وقال: «الإسلام سجين»، بل إن حسن البنا الذى اعتبر نفسه إمامًا يقول بلا أى قدر من التواضع: «إن الإمام هو واسطة العقد ومُجمع الشمل ومهوى الأفئدة وظِل الله فى الأرض».
ويُعقب الدكتور رفعت السعيد ويقول: «إذا كان سيادته ظِل الله فى الأرض فمن يتجاسر بقول أو بفعل أو بموقف يختلف ولو بأقل قدر مع حضرة ظِل الله فى الأرض؟ ويسرى ذلك من الإمام إلى الجماعة، ومن هُنا فإن المُسلم الذى لا ينهج نهج الجماعة ينال من الإمام سخطًا، وما هو أكثر من السخط، فقد صدر بيان من الإخوان فى الرابع من مارس عام ١٩٤٥ يقولون فيه: «أتحسب أن المُسلم الذى يرضى بحياتنا اليوم ويتفرغ للعبادة ويترك الدين والسياسة للعبثة الآثمين يُسمى مسلمًا؟ كلا إنه ليس بـ مُسلم»، تأملوا العبارة: «مُسلم يتفرغ للعبادة إنه ليس بمُسلم».
يقول الدكتور رفعت السعيد رحمه الله: «يكمل حسن البنا الحلقة؛ لتضيق على أعناقنا فيقول «لا تحيا الدعوة إلا بالجهاد وليس فى الدنيا جهاد بلا تضحية، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم»، فإما أن تكون معه وإما أن تكون آثمًا.
يبرز الدكتور رفعت السعيد أوضاعًا خطيرة بجماعة الإخوان فيقول: يعترف حسن البنا ويتباهى ويبرر اعتداءه على الذين يخالفونه فى الرأى حينما قال «المخالفون لنا قد تلبسهم الشيطان وزين لهم ذلك، وأن من يشق عصا الجمع فاضربوه بالسيف كائنًا من كان».
ويوضح الدكتور رفعت السعيد كذب جماعة الإخوان فيقول: «ظلت جماعة الإخوان لسنوات طويلة تُنكِر وجود تنظيم سرى مُسلح، حتى برغم اعترافات عشرات، بل مئات من أعضائها أمام محكمة الشعب، وقيل وقتها إنها أكاذيب أُمليت وترددت تحت وطأة التعذيب ثم لا تلبث الحقيقة أن تظهر، عندما يتنافس رجال الإرهاب الإخوانى القُدامى فى كتابة مذكراتهم، يحاول كل منهم أن ينسب لنفسه أكبر قدر من القتل والإرهاب، فكانت مذكرات «صلاح شادى» و«أحمد عادل كمال» و«عبدالمنعم عبدالروؤف» و«محمود الصباغ»، وقد اعترفوا جميعًا بأعمال إرهابية بشكل مثير للدهشة؛ لأنهم تحدثوا وَهُم يتباهون ويمجدون للفعل الإرهابى مؤكدين انتسابهم للجهاز السرى للجماعة والتزامهم بصيغته وأهدافه.
جانب آخر من كذب مؤسس جماعة الإخوان وتناقضاته يكشفه الدكتور رفعت السعيد ويقول: ظل حسن البنا طوال عشر سنوات كاملة يُنكر أى صفة سياسية لجماعته ويؤكد فى إلحاح أنه لا علاقة له بالسياسة، ولكنه ما إن شعر بالقوة وبضعف الآخرين حتى جاهر بدوره السياسى وقال «أستطيع أن أجهر بصراحة بأن «المُسلم» لا يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيًا بعيد النظر فى شئون أُمته مُهتمًا بها غيورًا عليها».
ويرصد الدكتور رفعت السعيد تناقضًا آخر لحسن البنا، حينما وجه نقدًا شديدًا للدستور فى رسالته للمؤتمر الخامس قال فيها: «إن فيه ما يراه الإخوان مُبهمًا غامضًا يدع مجالًا واسعًا للتأويل والتفسير الذى تمليه الغايات والأهواء لكنه يعود فيتراجع تحت ضغط من القصر الملكى؛ ليُعلن أن الدستور بروحه وأهدافه العامة لا يتناقض مع القرآن، وأن ما نحتاج إلى تعديل منه يمكن أن يُعدل بالطريقة التى رسمها الدستور ذاته».
أمضى الدكتور رفعت السعيد سنوات طويلة يبحث فى كيان جماعة إرهابية، فتش عن أسرارها، دخل فى دروبها، غاص فى كواليس تنظيمها، وأخرج لنا مؤلفات نتعلم منها، وننعم بما فيها من رؤى وصل إليها بعد عملية بحث شاقة، وها نحن الآن نشاهد جرائم الإخوان وكذبهم وعدوانيتهم وعمالتهم تتكرر مرة أخرى، وكأن التاريخ يُعيد نفسه، وكأن ما رصده وكتبه منذ سنوات «الدكتور رفعت السعيد» كتبه فى يومنا هذا، لتصبح مؤلفاته بمثابة مُلخص لـ«سنوات العنف والدم» الله يرحمك يا دكتور رفعت.