فى إطار الاحتفال بثورة ٣٠ يونيو؛ فإنه من المناسب أن نضع التحديات التى تتطلبها أهداف الثورة فى التعليم باعتباره مدخلا لبناء الإنسان المصرى؛ حيث اهتم الدستور المصرى بتعظيم دور التعليم والبحث العلمى والمراكز والمجامع العلمية، باعتبارها الركيزة الأساسية من أجل بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمى فى التفكير، فضلا عن تنمية المواهب وتشجيع الابتكار وترسيخ القيم الحضارية.
يضاف إلى ذلك الاهتمام بمعايير جودة التعليم، كما أكد الدستور كفالة الدولة، وضمان استقلال الجامعات والمجامع العلمية، والعمل على تطويرهما من أجل أن تصل إلى معايير الجودة العالمية.
كما أكدت نصوص الدستور أن المعلمين فى التعليم العام، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات ومعاونيهم، يعتبر الركيزة الأساسية للتعليم، وتكفل الدولة تنمية كفاءاتهم العلمية ومهاراتهم المهنية ورعاية حقوقهم المادية والأدبية، بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه.
يضاف إلى ذلك كفالة الدولة حرية البحث العلمى، وتشجيع مؤسساته العلمية باعتبارها وسيلة لتحقيق السيادة الوطنية مع التزام الدولة برعاية الباحثين والمخترعين، والحماية لابتكاراتهم، كل ذلك مع نصوص محددة للإنفاق من الناتج القومى العام لا يقل عن ٥ ٪ من هم ٤ ٪ للتعليم العام و١ ٪ للبحث العلمي.
وغنى عن البيان أن ذلك قد جاء متوافقا مع مواد الدستور من المادة ١٩ وحتى المادة ٢٥، بالإضافة إلى المادتين ٦٦ و٢٣٨. وقد أعلن السيد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، وفى مناسبات متعددة، عن ضرورة الاهتمام بالبحث العلمى والتعليم وأساتذة الجامعات والمعلمين، وتوفير مناخ أفضل من أجل خدمات تعليمية متطورة تستهدف بناء شخصية الإنسان المصري.
وبعيدًا عن تصريحات السيد رئيس الجمهورية وتوجهاته؛ فإننا لم نجد على أرض الواقع أى نتائج ملموسة، فما زال حتى الآن القانون رقم ٤٩ لسنة ٧٢، بشأن تنظيم الجامعات، بالإضافة إلى القانون ٣٢ لسنة ٨٣، والقانون رقم ٤٣ لسنة ٨٠ الخاص بتعديل جداول مرتبات الكادر الخاص لأعضاء هيئة التدريس، ما زالت هذه القوانين رغم مرور ما يزيد على ٤٧ عاما على بعضها وأقلها ٢٦ عاما، ما زالت سارية، رغم تغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
من هنا تظهر معاناة أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات والمعلمين فى المدارس، بسبب تآكل وضعف الأجور، ويظهر ذلك فى المستويات الاجتماعية والمادية والأدبية فى الجامعات؛ حيث يعمل الجميع فى ظروف صعبة سواء فى مستوى المرتبات وأجور تصحيح الامتحانات والإشراف على الرسائل العلمية أو المشاركات الأدبية - الفنية، والجهود الإدارية؛ حيث المعاناة من صعوبة الحياة، رغم كثرة الأنشطة والأعمال التى يقومون بها من أجل خدمة الوطن.
إن الكثير من أعضاء هيئة التدريس بالأغلبية، يتعففون عن ذكر متطلباتهم العادلة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وإن كانوا يلوحون بذلك فى تعفف ورقى، رغم ما يقدمونه من جهود علمية وفنية وإدارية على مستوى الجامعات المصرية، بطول البلاد وعرضها، وعلى مدار ٢٤ جامعة إقليمية وفروعها المختلفة بين طول البلاد وعرضها فى كافة محافظات مصر.
وقد عبرة أعضاء هيئة التدريس بجامعة عين شمس، أثناء الجمعية العمومية الأخيرة على استحياء عن تلك المطالب، كما عبر بعض هيئات التدريس فى شكاوى جماعية أرسلت إلى رئيس الجمهورية دون إعلان يطالبون فيها بالإنصاف لأوضاعهم الاجتماعية والإنسانية التى لم تعد تتناسب مع موجة الغلاء والأسعار ومسار تعويم الجنيه المصرى وغيرها من متطلبات الحياة.
يضاف إلى ذلك أن هناك بعض الصحف القومية والمستقلة، قد نشرت موضوعات صحفية فى شكل تحقيقات عن أهمية تطوير الجامعات، والنظر إلى عدالة المعلمين وأعضاء هيئة التدريس، وهناك بعض الكتاب المرموقين قد عبروا فى مقالاتهم الخاصة بالعديد من الصحف، بضرورة النظر إلى هذه الأوضاع الاجتماعية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم وكذلك أوضاع المعلمين.
ولكن فى الطرف الآخر، وغنى عن البيان، ما نشر من ردود أفعال للسادة الوزراء.. ومنها وزير التعليم العالى، ووزير التربية والتعليم، والسيد وزير المالية لم تتعد ردود الأفعال لهم عن أنها تصريحات وردية، ولكن لم ترتق إلى الانتقال إلى الواقع بتحسين تلك الأوضاع التى تعانى منها هؤلاء الأفاضل.
وما زالت قضية التعليم والبحث العلمى، وبناء الإنسان المصرى تحتاج إلى نظرة واقعية؛ لأن لا معنى أن نطالب بتطوير التعليم العام والجامعى فى بلادنا، وبضرورة أن يرتفع مستوى ترتيب الجامعات المصرية إلى مستويات الجامعات العالمية، والارتقاء بمستوى الخدمات فى البحث العلمى دون إعادة النظر فى بحث التحديات التى تواجه النظرة العامة والسياسات الخاصة بالارتقاء بالتعليم فى بلادنا.
ومن هنا فإننا نقترح:
* إعادة النظر فى التشريعات الخاصة بجداول الأجور والأوضاع المالية من أجل تحسين الأوضاع العامة لرجال التعليم وأساتذة التعليم العالى، الذين قدموا كافة ما تفتخر به بلادنا من خبراء وعلماء وخبرات بشرية وفنية وعلمية معترف بها على مستوى العالم.
* أن على وزارة المالية وواجبها وضع الرؤى التطبيقية من أجل تطبيق مواد الدستور المصرى الخاصة بنسب الإنفاق على التعليم والبحث العلمى، لتصل إلى المعايير الدولية وبشكل متدرج من أجل تطوير بلادنا.
* أن البرلمان المصرى وفى القلب منه لجان «التعليم والبحث العلمى واللجنة التشريعية والدستورية والخطة والموازنة» جميعها مطالبة بعمل جماعى مشترك لمناقشة أهمية رفع الموازنة العامة الخاصة بالتعليم العام والجامعى من أجل الاستجابة لاحتياج الجامعات من أجهزة وأدوات ووسائل حديثة، تمكنها من القيام بدورها من أجل خدمة المجتمع والمساهمة فى تقديم مستويات أفضل من الخريجين باعتبارهم قواتنا البشرية المستقبلية لبلادنا.
فى النهاية، إن الأمر مرهون بتعليم جيد وأبحاث علمية تطبيقية ونظرية، تسهم فى تحقيق التنمية المستدامة التى تحتاجها بلادنا والشعب المصرى الذى يستحق كل حياة كريمة، ومن أجل أن تكون بلادنا التى نريدها الأفضل والأرقى بإذن الله.
ومن هنا؛ فإن التطوير لجامعاتنا أصبح مهمًا مع انحيازات ثورة ٣٠ يونيه الاجتماعية ومن أجل مواجهة الإرهاب والظلامية والفساد.