ترأس البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، صباح اليوم السبت، القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان،بمناسبة الاحتفال بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس، منح خلاله درع التثبيت عددا من رؤساء الأساقفة الجدد وللمناسبة.
ألقى البابا فرنسيس عظة استهلها بالقول: يقف أمامنا الرسولان بطرس وبولس كشاهدين. لم يتعبا ابدًا من الإعلان ومن العيش في رسالة وفي مسيرة من أرض يسوع وصولًا إلى روما. وهنا شهدا له حتى النهاية إذ بذلا حياتيهما كشهيدين. وبالتالي إن عدنا إلى جذور شهادتيهما نكتشفهما شاهدي حياة وشاهدي مغفرة وشاهدين ليسوع.
تابع البابا فرنسيس: يقول شاهدا حياة. ومع ذلك لم تكن حياتيهما نقيّتين ومستويتين. كانا كلاهما من طبيعة متديّنة: كان بطرس من التلاميذ الأوائل أما بولس فكان يتقدّم كثيرًا من أترابه فيفوقهم حَمِيَّةً على سُنَنِ آبائه. ولكنهما ارتكبا أخطاء فادحة إذ بلغ الأمر ببطرس أن ينكر الرب وبلغ ببولس أن يضطهد كنيسة الله. كلاهما كُشفت حقيقتهما أمام سؤالي يسوع: "يا سِمعانُ بنَ يونا، أَتُحِبُّني أَكثَرَ مِمَّا يُحِبُّني هؤلاء؟"؛ "شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟". حزن بطرس من سؤال يسوع أما بولس فقد تركته كلماته أعمى. لقد دعاهما يسوع باسميهما وغير لهما حياتيهما. وبعد جميع هذه المغامرات وثق بهما، وثق بخاطئَين تائبين.
أضاف البابا فرنسيس، نجد تعليمًا كبيرًا في هذا الأمر: إن الاستحقاق ليس نقطة الانطلاق في الحياة المسيحيّة؛ فمع الأشخاص الذين كانوا يعتبرون أنفسهم كاملين لم يتمكن الرب من أن يفعل شيئًا، وبالتالي فعندما نعتبر أننا أفضل من الآخرين نكون قد بلغنا النهاية. إن الله لا ينجذب لكمالنا ولا يحبنا لكمالنا أيضًا. بل هو يحبنا لما نحن عليه ويبحث عن أشخاص لا يكتفون بذواتهم بل مستعدين ليفتحوا له قلوبهم. لقد كان بطرس وبولس شفافَين وواضحين أمام الله. قال بطرس ليسوع فورًا: "أنا خاطئ"، أما بولس فكتب أنّه " أَصغَرُ الرُّسُل، ولَيس أَهْلًا لأَن يُدعى رَسولًا". لقد فهما أنَّ القداسة لا تقوم على رفع الذات وإنما على التواضع، فهي ليست ارتقاء في التصنيف، بل هي أن نوكل ضعفنا يوميًّا للرب الذي يصنع العظائم مع المتواضعين. وما هو السر الذي جعلهما يمضيان قدمًا في الضعف؟ مغفرة الرب.
تابع البابا فرنسيس يقول لنكتشفها مجدّدًا إذًا كشاهدين للمغفرة. لقد اكتشفا في سقطتيهما قوّة رحمة الرب التي ولدتهما من جديد. في مغفرته وجدا سلامًا وفرحًا كبيرَين. مع ما قاما به كان من الممكن أن يعيشا في عقدة ذنب: كم من مرّة أعاد بطرس التفكير في إنكاره للمسيح! وكم من الهواجس عاشها بولس لأنه سبب الأذى للعديد من الأبرياء! ولكنّهما وجدا حبًّا أكبر من فشلهما ومغفرة قويّة لدرجة أنّها شفت أيضًا شعورهما بالذنب.
أضاف البابا فرنسيس شاهدا حياة وشاهدا مغفرة، ولكن بطرس وبولس هما بشكل خاص شاهدان ليسوع. وهو يسأل في إنجيل اليوم: "مَنِ ابنُ الإِنسانِ في قَولِ النّاس؟"، وجاءت الأجوبة تذكر بشخصيات من الماضي: "يوحَنّا المَعمَدان، إيلِيّا، إِرمِيا أَو أَحَدُ الأَنبِياء"؛ أشخاص رائعون ولكنّهم جميعًا أموات. أما بطرس فيجيب: "أَنتَ المَسيحُ". إنها كلمة لا تشير إلى الماضي وإنما إلى المستقبل: المسيح المنتظر، الحداثة، ذلك الذي يحمل إلى العالم مسحة الله. بالنسبة للشاهد هو أكثر من شخصيّة تاريخية، يسوع هو شخص الحياة، وحداثة المستقبل وليس مجرّد ذكرى من الماضي. وبالتالي فالشاهد ليس الشخص الذي يعرف قصّة يسوع وإنما الذي يعيش معه قصّة حب. في الواقع نرى أنّه وبعد ان قال بطرس: "أَنتَ المَسيحُ" أضاف: "ابنُ اللهِ الحَيّ". إن الشهادة تولد من اللقاء بيسوع الحي. وفي جوهر حياة بولس أيضًا نجد الكلمة عينها التي تفيض من قلب بطرس: المسيح! فبولس يكرّر هذا الاسم باستمرار، أربعمئة مرّة تقريبًا في رسائله.
إزاء هذين الشاهدين، تابع بابا الفاتيكان يقول، يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل أجدد يوميًّا اللقاء مع يسوع؟ ربما نحن فضوليين حول يسوع ونهتمُّ لأمور الكنيسة والأخبار الدينية. نزور المواقع الالكترونية ونقرا الصحف ونتحدّث عن أمور مقدّسة. ولكننا هكذا نبقى على ما يقوله الناس وعلى الاستفتاءات وعلى الماضي. وهذا الامر لا يهم يسوع، فهو لا يريد "مراسلًا" للروح القدس ولا مسيحيين يظهرون على غلافات المجلات. هو يبحث عن شهود يقولون له يوميًّا: "يا رب، أنت حياتي".
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول بعد أن التقيا بيسوع واختبرا مغفرته، شهد الرسولان لحياة جديدة وبذلا حياتهما بالكامل. لم يكتفيا بأنصاف المعايير وإنما أخذا المعيار الوحيد لمن يريد أن يتبع يسوع: معيار الحب الذي لا يعرف الحدود. لقد قدّما نفسيهما قربانًا للرب. لنطلب نعمة ألا نكون مسيحيين فاترين، يعيشون أنصاف المعايير ويجعلون الحب يبرد. لنجد جذورنا مجدّدًا في العلاقة مع يسوع وفي قوّة مغفرته. فكما سأل يسوع بطرس: "من أنا بالنسبة لك؟" و"أتحبّني" هو يسألك اليوم أيضًا. لنسمح لهذه الكلمات أن تدخل إلى داخلنا وتشعل فينا الرغبة في ألا نكتفي بالقليل وإنما بأن نسعى إلى الأفضل لكي نكون نحن أيضًا شهودًا أحياء ليسوع.