أطلقت شركة «FaceBook» منذ أيام عملة رقمية خاصة بها أطلقت عليها اسم «ليبرا»، وأعلن مارك زوكربرج الرئيس التنفيذى للشركة، أن هذه العملة مستقرة ولا ترتبط بتغييرات السوق، إنما تستخدم كوسيلة للتبادل، حتى إنها لن تحقق للشركة التى أطلقتها أى مزايا احتكارية للسوق، إذ إنها لن تتصف بالمركزية، لهذا حرصت الشركة على أن تتم إدارتها من قبل ٢٧ مؤسسة مع «FaceBook».. إذ يرى مطلقو هذه العملة أنها تحقق مجالًا للتبادل والتجارة الإلكترونية المختلفة بعيدًا عن تقلبات السوق، إذ لن تنافس البيتكوين (BTC) التى أصبحت لها قيمة غير مستقرة تتأثر باقتصاد السوق، فقيمتها تهبط وترتفع تأثرًا بحركتى السوق والبورصة، بينما الـ«ليبرا» أطلقت لتكون وحدة مستقرة يتم تبادلها فى التجارة بقسمة مستقرة لا تتأثر بالسوق، فأنت تأخذ شيئًا مقابل تلك الوحدة لا تتغير قيمته لاستقرار هذه العملة، ومن ثم فهى عملة ذات طابع اجتماعى تمامًا كطبيعة الموقع الذى أطلقها. ألا يذكرنا ذلك بعصر المقايضات، إذ كان البشر يقايضون القمح بالبيض دون أن يتأثر استقرار القمح والبيض طالما من يعطى القمح لا يملك البيض والعكس؟ تظل تلك العلاقة التبادلية مستقرة طالما أن كلا الطرفين يحتاجها.
وقد تفتح هذه العملة الباب لأكبر عمليات التجسس خطورة فى العالم، لأن بيانات البيع والشراء، وعمليات الائتمان ترتبط ببيانات الأفراد، وستكون متاحة عبر شبكات تواصل عليها مليارات الأفراد. لم ينس العالم حتى الآن ما قاله مارك زوكربرج عام ٢٠٠٣م، قبل ازدهار شركته، حين تساءل قائلًا: «أنا لا أعرف لماذا يثق بى مستخدمو شبكة التواصل الاجتماعي؟!»، مشيرًا إلى أنه ليس هناك سبب واحد لهذه الثقة يجعلها مبررة منطقيًا. ويشير تزايد أعداد مستخدمى «FaceBook» منذ تاريخ تساؤله حتى اليوم، إذ وصل عددهم إلى ٢،٤ مليار مستخدم، لكن هذه الثقة لم تنقطع، على الرغم من أنها لم تجد مبررًا لوجودها حتى الآن، بل وجدت ضحايا وعمليات إجرامية وصلت لمحاولات تدخل فى أمن وسيادة دول، وهى أمور كان يجب أن تضعف هذه الثقة لكنها زادتها. يمكن تفسير ذلك بنظرية «التسوق القهري» التى يلجأ لها المسوقون حين يعلمون أن سلعتهم لا تملك الكثير من الميزات، لكنها تملك إبهارًا يصيب من يتعامل معها لعدد من المرات يكفى لأن تحصل علاقة إدمان بينها وبين مستخدمها، فيظل يقبل عليها مهما أساءت إليه، أو ربما يعود الأمر إلى ما وصلت إليه بعض الدراسات، من أن مستخدمى الإنترنت فى أي صورة كانت لا يثقون به، بل يطلعون عليه فقط.
يتضح من كل علاقات الثقة الشائكة تلك أن مستقبل الـ«ليبرا» متعلق فى جانب منه بمدى «إدمانها» فيرى ريان سيليكس الرئيس التنفيذى لشركة Messari «أن عملة ليبرا FaceBook هى مدخل لإدمان العملات الرقمية». ستحقق تلك العملة ما حققته مواقع التواصل الاجتماعى لو تم إدمانها. يعد إطلاقها فى ذلك الوقت مجازفة، إذ تواجه FaceBook اتهامات بانتهاكات الخصوصية وكسر قانون الاحتكار، الذى سبق وواجه شركة Microsoft وهزمها فى قضية سابقة. تمتلك الـ«ليبرا» قبل أن تولد كل أشباح الاحتكار وكسر الخصوصية، مما دعا سياسيين للتعبير عن تخوفهم منها، على الرغم من أن أحدًا لم يتدخل لإيقافها فعليًا، إذ دعا أعضاء الكونجرس الأمريكى إلى وقف التنمية على الفور بينما أعلنت البنوك المركزية حذرها، وقال وزير المالية الفرنسى فى هذا الصدد: «لا جدال فى أن عملة ليبرا ستصبح عملة ذات سيادة. وهذا لا يمكن ولا يجب أن يحدث»، وكعادة بريطانيا، التى يحب رجالها قراءة المواقف بهدوء ثم إطلاق القرارات، نجد تصريح مارك كارنى محافظ بنك إنجلترا، إذ قال: « سوف ننظر إليها عن كثب وبطريقة منسقة. لذا افتح المجال لذهنك، ولكن لا تفتح بابك».
دعنا نخرج من كل تلك الصناديق السابقة وننظر للأمر من الخارج، سنجد أن تخيلًا بسيطًا لليبرا فى دورة حياة يومية قصيرة يكشف أن قوتها فى حريتها، كما اشتقت اسمها من الحرية، فمطبقها لم يربطها بالدولار، كالبيتكوين، مما يعنى أن «فيسبوك» يعطيك عملة مستقرة تعنى وحدة واحدة لا عملة، تتعامل بها مع المؤسسات التى تشاركه فى إدارتها، ومن هذه المؤسسات «Uber»، فأنت لديك مثلاً ثلاثة ليبرا هى قيمة «مشوار» معين عبر سيارات Uber، فأنت سوف تطلب السيارة وتحول لها «الليبرات» وبعد شهر لو انخفضت قيمة الدولار ومعه البيتكوين، ستدفع قيمة أكبر لذات «المشوار» بالدولار، بينما ستدفع ذات الليبرات الثلاثة بالليبرا، لأنها عملة مقايضة لا تتأثر بالسوق، وبهذا تكسب الليبرا فرصة مع الوقت للتفوق على كل عملات العالم. ومن ناحية أخرى يعد كسب الليبرا عبر عمليات فى شبكة تواصل اجتماعى فرصة لظهور أغنياء عشوائيين، كمنتهزى الفرص، بل وبعض القراصنة. لكن قيمتها قد تصل للصفر مع المستقبل البعيد، حين تحاربها عملات وطنية تملك كل الأصول والسندات التى قد يحتاجها مستخدموا الليبرا ولا سبيل إليها بالمقايضة. فى كل الأحول قد تكون هذه العملة كما عبر إريك فورهيس، رائد البيتكوين، بمثابة «الصبى الشقى الذى يعاقب دائمًا فى مجال العملات الرقمية» لصعوبة التحكم فيها، ومن ثم ستخضع لنظام مراقبة رسمى مناسب حتى تستمر من أجل مظلة أمان للمستخدم.