توجد ثمة خمسة مغريات للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي: أولها البعد عن سيادة الدول، وثانيها إتاحتها للجميع وصعوبة السيطرة عليها من قِبَل الأجهزة الأمنية، وثالثها تقديمها خدمة الاتصال والتواصل السريع بين الأعضاء والمؤيدين بطرقٍ شتى، ورابعها توفير منصات إعلامية للدعاية لأنشطتها وأفكارها، وخامسها إمكانية النشر المكثف للصور والأفلام والوثائق التى تدعم الأفكار التى تروج لها.
وقد حرص تنظيم «داعش» على نشر كُتَيّب إرشادى بين أتباعه لوضع قواعد استخدام شبكات التواصل الاجتماعى مثل «فيس بوك» و«تويتر»، مشددًا على أفراد الميليشيات عدم وضع معلومات وصفية عن أنفسهم فى الحسابات المستخدمة. وكان التنظيم حريصًا على إشعال «البروباجندا» على صفحات شبكات التواصل الاجتماعى لتشجيع الآخرين على الانضمام إلى ميليشيات تنظيماته، وذلك بنشر صور تعرض أسلوب حياة مقاتلى التنظيم، وصور رءوس أعداء التنظيم المفصولة عن أجسادها، لكنه توصل إلى خطورة ذلك على المقاتلين، كما توصل التنظيم إلى أن استخدام حسابات على شبكات التواصل الاجتماعى يمد أجهزة الاستخبارات الغربية بمعلومات قيمة عن مواقع الميليشيات، ويكشف عن هويات المقاتلين مما يجعلهم هدفًا لطائرات الحلف الدولى المناهض للتنظيم المتطرف.
وفى إطار حروب «الهاشتاج»، نشر تنظيم «داعش» مقطع فيديو عبر موقع التواصل الاجتماعى «يوتيوب»، يدعو فيه المقاتلين إلى المشاركة فى «هاشتاج» على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت عنوان «# سيناء عرين الموحدين». ويهدف التنظيم من وراء ذلك جمع الجهاديين فى المنطقة تحت هذا الهاشتاج، بهدف غزو سيناء. ومن الواضح أن القوات المسلحة المصرية قامت بإنشاء منطقة عازلة على الحدود بسيناء، بهدف تأمين سيناء من العمليات الإرهابية ومنع تسلل التكفيريين، عقب الحادث المروع الذى وقع بكمين «كرم القواديس» بالشيخ زويد بالعريش.
وقد وجه ريتشارد هانيجان الرئيس الجديد للاستخبارات البريطانية، اتهامًا لعدد من شركات التقنية الأمريكية، العاملة فى وادى السيليكون بولاية كاليفورنيا، بأنها أصبحت شبكات القيادة والتحكم المفضلة للإرهابيين، مشيرًا إلى أن شركات عملاقة، مثل موقعى التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر»، أصبحت شبكات قيادة وتحكم للإرهابيين والمجرمين. وأوضح هانيجان، أن عناصر «داعش» فى العراق وسوريا، يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعى لترهيب الناس، وإلهام الجهاديين المحتملين من كل أنحاء العالم للانضمام إليهم.
وأضاف أن تنظيم القاعدة وأفراده والإرهابيين، استخدموا الإنترنت من قبل كموقع لنشر المواد بصورة مجهولة، محذرًا من أن تنظيم الدولة والأفراد التابعين له، باتوا يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعى بصورة مباشرة، لإيصال رسالة بلغة يفهمها أقرانهم من الإرهابيين. وناشد القطاع الخاص، بما فى ذلك شركات التقنية الأمريكية العملاقة التى تسيطر على الشبكة العالمية، بضرورة مساعدة جهاز الاستخبارات البريطاني، للتغلب على هذا الأمر، بدعوى أن الأجهزة الاستخباراتية ليست قادرة على التغلب على هذه التحديات من دون دعم هذه الشركات.
كما نشرت صحيفة «ديلى تلجراف» Daily Telegraph فى إحدى افتتاحياتها مقالًا لـ «كون كوفلين»، بعنوان: «كيف ساهمت وسائل التواصل الاجتماعى فى نشر سموم تنظيم داعش؟». وقال كاتب المقال إن «إدوارد سنودن» المتعاقد السابق فى وكالة الاستخبارات الأمريكية مهد الطريق أمام ظهور نوع جديد من الدعاية للمتطرفين، مضيفًا وبطريقة استهزائية بأن على «سنودن» الذى يتمتع بملجأ آمن فى روسيا، وأن يكون فخورًا بنفسه، لأنه لم يكشف فقط عن كيفية تجسس الولايات المتحدة وحلفائها على أعدائها، بل علّم جيلًا كاملًا من المتطرفين أفضل طرق استخدام وتوظيف الإنترنت لنشر أفكاره.
وقد تبدت مساعدة الولايات المتحدة لتنظيم «داعش» الإرهابى فى الاحترافية فى ممارسة الأعمال الوحشية الممنهجة، والاحترافية فى التصوير الذى يضارع مستوى ستوديوهات هوليوود، ولا يستطيع ماسبيرو بأكمله أن ينتج أفلامًا احترافية مماثلة بالجودة والكفاءة نفسها، ووجود خبراء على درجة عالية من التمرس فى الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى وحروب الهاشتاج. ولا يخفى على أحد تلك الملاسنات بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة حين ارتدت عناصر «داعش» إلى نحورها وأذاقتها وبال أمرها فى بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا، بل إن أوروبا اتهمت مباشرة الأمريكيين بأنهم هم من استضافوا آلاف الحسابات لعناصر التنظيم على «فيس بوك» و«تويتر»، وهو ما ساعد التنظيم فى نشر أفكاره الإرهابية وتجنيد عناصر من الدول الأوروبية للانضمام إليه فى مواقع القتال فى سوريا والعراق.
ولا تزال الولايات المتحدة وحليفتها تركيا تقدم خدمات جليلة لتنظيم «داعش» حتى بعد محاصرة التنظيم وعناصره فى سوريا والعراق وتحرير الموصل، حيث تم نقل عناصر التنظيم من المناطق الخطرة إلى مناطق آمنة داخل سوريا والعراق، بل ونقل بعض المقاتلين الدواعش من سوريا والعراق إلى «درنة» فى ليبيا، حيث يجد التنظيم بيئة خصبة لممارسة الأعمال الإرهابية، وليظل شوكة فى حَلْقِ الدولة المصرية على طول حدودها الغربية؛ حيث يمكن اختراق هذه الحدود والقيام بعمليات نوعية تثبت أن التنظيم لم يمت، وأنه لا زال موجودًا.
وسياسة التنظيم الراسخة التى تقوم على كتاب «إدارة التوحش» الذى يؤسس لفلسفة التنظيم، هو أن يأتى الدولة من أطرافها لكى يخلخل قواها الصلبة من جيش وشرطة ويشيع الرعب فى صفوف المدنيين، لكى يقيم دولته على أطراف الدولة بعد انفلات قواها، ويدير التوحش الذى يعقب هذا الانفلات. لذا يجب اليقظة والحذر مما يحدث فى سيناء، وعلى حدود مصر الغربية مع ليبيا وعلى حدودنا الجنوبية مع السودان. ولعل جولات الرئيس عبدالفتاح السيسى الأفريقية كان الهدف الرئيس منها هو الحفاظ على الأمن القومى المصرى الذى تستهدفه قوى كثيرة لا تريد الخير لمصر.
إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تلعب بالنار غير مدركة أن اللعب بالنار سيؤدى حتمًا إلى حرق أصابع مَن يلعب بها. لقد أوضحت دراسة لمؤسسة «كارنيجي» الأمريكية أن الإحصاءات الخاصة بعدد التغريدات المساندة لتنظيم «داعش» الإرهابى توضح أن المركز الثانى للتغريدات المساندة للتنظيم تأتى من داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه دلالة خطيرة على أن هناك الكثير من الأمريكيين الذين يعتنقون أفكار «داعش»، حتى وإن لم ينضموا للتنظيم بشكلٍ رسمي.
وتعلم الولايات المتحدة جيدًا من خلال بعض مُنَظّريها أن العصر الذى نعيش فيه هو «عصر الاضطراب العالمى»، وفى وقت من الأوقات كان يمكن للولايات المتحدة أن تدير الصراع فى بقاع العالم الساخنة، ولكن فى الفترة القادمة حيث يقع الاضطراب العالمى فى مناطق شتى ومتعددة لن نعلم ما نتيجة هذا الاضطراب الذى لا يوجد مَن يديره من ناحية، أو يتوقع نتائجه. والأخطر فى هذا الاضطراب أن كل القوى تملك أدوات الصراع الناعمة وفى القلب منها الفضائيات والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى.