الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رحل راهب الفكر.. إمام عبدالفتاح إمام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هبت ريح عاتية لا قلب لها فاقتلعت شجرتين سامقتين من أرض الفكر العربي، إذ رحل عنا يوم الاثنين الموافق 17 يونيه 2019 الأستاذ الدكتور عزت قرنى أستاذ الفلسفة اليونانية بجامعتى عين شمس والكويت، وبعده بيوم واحد فى الثامن عشر من يونيه 2019 رحل المفكر المصري الكبير الأستاذ الدكتور إمام عبدالفتاح إمام. 
عاش إمام عبدالفتاح حياته بعيدًا عن الأضواء، بين كتبه وأوراقه. وإذا كانت لشخصية المرء مفاتيح لفهمها والولوج إلى مكنوناتها؛ فإن هناك مفتاحين على جانب كبير من الأهمية لفهم شخصية الدكتور إمام فهمًا سليمًا، أولهما أنه قد اتخذ من الدكتور زكى نجيب محمود مثلًا أعلى فى الفكر والحياة، وثانيهما أنه كان متيمًا بالفيلسوف الألمانى «هيجل» وفلسفته. وقد يبدو أن العبارة السابقة تنطوى على شىء من التناقض، بخاصةٍ إذا علمنا أن زكى نجيب هو من تولى الإشراف على البحث الذى حصل به إمام عبدالفتاح على درجة الماجستير عام ١٩٦٨م بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة، وأن عنوان ذلك البحث هو «المنهج الجدلى عند هيجل»!! هيجل هذا فيلسوف ميتافيزيقي، والدكتور زكى نجيب عدو الميتافيزيقا، كما شاع عنه، والسؤال الآن: كيف يشرف الدكتور زكى نجيب محمود، صاحب «خرافة الميتافيزيقا» على بحث يعالج «المنطق الجدلى عند - [الميتافيزيقى الأكبر] - هيجل»؟ 
إجابة عن هذا السؤال يقول الدكتور إمام فى الورقة التى قدمها بعنوان «الدكتور زكى نجيب محمود كما عرفته- معلمًا وإنسانًا»، التى اشترك بها فى الكتاب التذكارى الذى أصدرته جامعة الكويت، تحت عنوان «زكى نجيب محمود فيلسوفًا وأديبًا ومعلمًا»: 
الدكتور زكى نجيب محمود (أفادنى فائدة كبرى فى «منهج البحث» دون أن يلزمنى باتباع مذهبه. وهذا هو «الأستاذ على الأصالة»: يوجه، ويرشد، لكنه لا يفرض فكرًا. إنه يفيد طلابه فى طريقة البحث، فى كيفية جمع المادة العلمية، وتقييمها، وعرضها عرضًا واضحًا.. إلخ. أعنى أنه يفيد فى «المنهج» دون «المذهب») ص 58. 
ومن فرط حب إمام عبدالفتاح لأستاذه زكى نجيب وإخلاصه له كتب مؤلفًا ضخمًا بعنوان: «رحلة فى فكر زكى نجيب محمود مع نص رسالته عن (الجبر الذاتي)»، فى هذا الكتاب عرض إمام عبدالفتاح مراحل التطور الفكرى لزكى نجيب محمود: مرحلة التدين الخالص- مرحلة العقل الخالص - مرحلة التدين المستنير بنور العقل، كما ألحق بالكتاب ترجمته لنص رسالة الدكتوراه التى حصل عليها الدكتور زكى نجيب محمود من جامعة لندن عام 1947، والتى عنوانها: «الجبر الذاتي». وهى نظرية ميتافيزيقية فى صميمها، فضلًا عن أنها تكشف لنا عن اهتمامه المبكر بمشكلة الحرية. 
وبسبب ولع إمام عبدالفتاح الفكرى بالفيلسوف الألمانى هيجل وفلسفته، حاول ترجمةً وتأليفًا أن يقدم للقارئ العربى - بكل ما أوتى من جهد طوال حياته - فلسفة هيجل، على نحو غير مسبوق. حتى إنه ما أن يُذْكَر اسم «هيجل» فى المنطقة العربية على اتساعها، حتى يخطر على الذهن فورًا اسم «الدكتور إمام عبدالفتاح إمام»، والعكس صحيح أيضًا. 
علينا أن نعترف أنه بسبب غزارة إنتاج الدكتور إمام عبدالفتاح لن يكون بوسعنا حصر كل أعماله، ومن ثمَّ يكفى أن نذكر بعضها للدلالة لا الحصر: فقد كتب تأليفًا «دراسات هيجلية»، و«هيجل وعصره» و«تجربتى مع هيجل». أما الترجمة فحدّث ولا حرج، إذ ترجم جل إن لم يكن كل مؤلفات هيجل: «محاضرات فى فلسفة التاريخ - الجزء الأول (العقل فى التاريخ)»، «محاضرات فى فلسفة التاريخ - الجزء الثانى (العالَم الشرقي)»، «ظاهريات الروح»، «أصول فلسفة الحق» جزآن، «موسوعة العلوم الفلسفية» جزآن. ولا ريب أن الدكتور إمام لم يقتصر إنتاجه الفكرى على فلسفة هيجل، بل كان غزير الإنتاج تأليفًا وترجمةً فى مجالات الفكر الفلسفى المختلفة. 
لم ينل الأستاذ الدكتور إمام عبدالفتاح ما هو أهل له من الاحتفاء والتكريم، بقدر ما قدم من عطاء فكرى عظيم، ستظل أجيال وأجيال تتلمذ على كتبه ومؤلفاته، وإن كان قد غيبه الثرى، فإنه سيظل حيًا دومًا فى قلوبنا.