الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النوع الاجتماعي بين التعليم والثقافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
افرت إلى بيروت هذا الأسبوع لحضور طاولة حوار للخبراء الإقليميين بدعوة من المبادرة النسوية الأورومتوسطية وأعضاء الائتلاف، الممثلة فى جمعيات المجتمع المدنى من تونس والجزائر وفلسطين والأردن وسوريا وتمثلها من مصر ACT Egypt، بالإضافة إلى فرنسا والسويد. كانت مشاركتى التى سعدت بها كتربوية لا كشاعرة وأديبة هذه المرة حول المساواة المبنية على النوع الاجتماعى من خلال التعليم. 
فى الجلسة الأولى تعرفت واقع مناهج التعليم للمدارس الابتدائية والثانوية فيما يتعلق بالنوع الاجتماعى فى الدول المشاركة، والتى استوضحت من خلالها أهم الإنجازات والتحديات فى التصدى للتحيزات المبنية على النوع الاجتماعى إلى جانب عرض وتقييم الأدوات الموجودة بالفعل فى مناهج بعض الدول والدروس المستفادة وأفضل استراتيجيات إدماج وتعميم النوع الاجتماعى فيها، وقد لوحظ فرق فى مناهج الدول العربية وفرنسا ولكن بدرجة أقل. حيث تقدم النساء والفتيات على أنهن أقل شأنًا وفق التصورات الموروثة حول تفوق الذكور، وهو ما يوقعنا فى شرك النمطية والقوالب المبنية على النوع الاجتماعى، وهو ما ينتج عنه تصورات خاطئة حول إمكانيات الفتيات والمرأة ومشاركتها فى سوق العمل، ما يؤدى إلى بطالتها وقلة مواردها المالية التى تسبب لها أزمة طاحنة حال طلاقها أو ترملها أو حدوث إعاقة لزوجها وانتقالها إلى خانة المرأة المعيلة. كانت التجربة اللبنانية هى الأكثر نضجًا، ربما لطبيعة مناهجها المرتبطة بالمناهج الغربية، تلتها المغرب وتونس؛ لأن قوانين الأسرة هناك توفر مناخًا طيبًا اجتهدوا فيه لسنوات طويلة، لكن الملفت بالنسبة لى كموجه بالتربية والتعليم وعضو بلجنة التربية بالمجلس الأعلى للثقافة تجربة الأردن، التى عرضتها الزميلة كفى عكروش مسئولة النوع الاجتماعى بواحدة من الإدارات التعليمية. فوجئت بوجود قسم خاص بالنوع الاجتماعى ضمن قسم الاستراتيجيات والتدريب، ولعل أكثر ما أسعدنى هو التطبيق الفعلى ككيان له تأثيره وأهميته الاعتبارية بما يتيح ترجمة الأفكار فى أذهان التلاميذ الصغار إلى ممارسات تكبر معهم بمرور الوقت متحولة إلى سلوك يعزز قيم المساواة والديمقراطية، ويقلل الفجوة التعليمية والاقتصادية بين الجنسين؛ فتقل بالتبعية نسبة فقر النساء وما يرتبط بها من زواج مبكر للبنات وتفضيل تعليم البنين على الفتيات. 
تساءلت فى نفسى هل يوجد مثل هذا القسم فى وزارتنا ومديرياتنا؟ وهل يوجد بنفس الشكل؟ أم بشكل ضمنى لا أعرفه، أم أنه غائب تماما؟ قدمت عرضى التقديمى بفخر يليق باسم مصر، وشاهدت الاهتمام فى عيون الحضور وأنا أتنقل بين صفحات كتاب الصف الأول الابتدائى الذى تميز بمعايير جديدة تتبنى فكرة النوع الاجتماعى والمساواة فى الحقوق وتعتنى بالبيئة وتقدم نماذج للفتاة العصرية الطبيبة والمحاسبة والأم، التى تذهب مع ابنتها إلى قاعة فن تشكيلى تتأملان اللوحات وقطع النحت الحديثة، الفتاة الشجاعة المبتكرة التى تلعب كرة القدم وتفخر بلونها المختلف بما له من دلالات باطنية ضد التمييز على أساس اللون أيضا، وهو ما قد عانينا منه وحدث من أحد المدرسين ضد طالبة سمراء، كنت فخورة بأن المسيرة بدأت بالفعل وتمنيت أن تتوالى الخطوات فى مناهج باقى الصفوف بنفس النهج والقوة التى تحقق طفرة تدفعنا أكثر إلى الأمام، تذكرت أيضًا التدريب الإلكترونى لشهاده الاسكوا، والتى كنت قد حصلت عليها للتو قبل المؤتمر ودللت بها على حرص الوزارة واهتمامها بإحصاء النوع الاجتماعى ونشر ثقافته بين المعلمين عبر منصة اليونسكو وبالدرجة نفسها تذكرت البروتوكول بين وزارتى الثقافة والتعليم، والذى لن أمل الكتابة عن ضرورة تفعيله. وعمل أجندة مشتركة بين الوزارتين تعنى بنهج واحد، فتكون قوته مضاعفة، ولماذا لا تقدم هذه الأجندة أنشطة لا صفية تقوم بها وزارة الثقافة ويشرف عليها منسق ثقافى، نثق فى ولائه تلافيا لشبح المنهج الخفى فى المدارس. وعليه فأنا أوجه النداء إلى الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، والدكتور طارق شوقى، وزير التعليم، أن يتبنيا الفكرة الحلم التى ستغير تفكير المجتمع وتمحو آثار الأفكار المتطرفة من معركة الوجود والريادة التى تليق بمصر وأبنائها من المخلصين وتتوجه مباشرة إلى أصل الداء، أما لماذا فكرت فى ذلك كله وكتبت أكثر من مقال حوله؟ فلأننى قضيت ما يقرب من ثلاثين عامًا فى مجال التدريس قبل أن تتم ترقيتى إلى موجه، وكنت أفضل العمل فى القرى؛ لأن الفقراء هم الأولى بالقيم والمبادئ التى تعلى من قيمة المواطنة والتسامح والمساواة وهو ما يحارب الأفكار المتطرفة والتقاليد البالية التى تمثل إرثا اجتماعيا مجحفا. أنا جربت وزرعت ورأيت زهورا جميلة كانت طلابا صغارا وصاروا رجالا ناضجين يتسمون بالولاء والانتماء لمصر فعلت ذلك وأنا فرد، فما بالنا بوزارتين تشكلان عقل هذا الوطن!