الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

واحة الخميس.. الدراما وأسطورة زمن الفن الجميل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحنين إلى الماضى صفة إنسانية قديمة وفكرة تلازم غالبية البشر من المحافظين الذين ينتصرون دائمًا للماضى على حساب الحاضر، فيتجاهلون كل مسالب الماضى ويضيفون عليه بعض الحكايات التى تجعله أسطوريًا، ومع مرور الوقت تنساق العامة خلفهم فتردد هذه الحكايات وهذه الأساطير دون تمحيص أو مراجعة تاريخية فيصبح الأمر، وقد بات حقيقة مطلقة، وهذا ما حدث فى مجال الفن خلال الفترة الأخيرة؛ حيث التباكى على زمن الفن الجميل ووصم حاضرنا الفنى بالتردى والانكسار والدونية وإلصاق كل التهم به، فهو لا يستحق المشاهدة ويدعو للرذيلة، بل هو السبب الرئيسى فى الانهيار الأخلاقى للمجتمع وهو المسئول عن حوادث الاغتصاب والقتل والتحرش، هكذا يقولون، وهكذا نرى ضيوفًا يطلون علينا عبر شاشات التلفاز، ويتجشأون فى وجوهنا بهذه الكلمات الرنانة، متهمين الفن بأنه السبب فى انهيار الذوق العام وفى قتل الأخ لأخيه، ويتناسون أن قابيل قد قتل هابيل دون أن يشاهد فيلمًا أو مسلسلًا، وأن إخوة نبى الله يوسف قد شرعوا فى قتله وألقوه فى البئر ولم يكن أحدهم قد ذهب إلى السينما أو شاهد مسلسلًا تليفزيونيًا، وأن زليخة قد أغوت يوسف دون أن تشاهد فيلمًا لناهد شريف، وأن قوم لوط لم يتعلموا أفعالهم من أفلام سينمائية، وأن من أحرقوا نبى الله إبراهيم لم يشاهدوا مسلسلا أو فيلما به هذا المشهد، فالجريمة نشاط إنسانى قديم، وقد عرفها الإنسان قبل الفن بآلاف السنين، أما الذين يتباكون ليل نهار على زمن الفن الجميل؛ فقد تناسوا أيضا أن السينما المصرية قدمت أفلامًا أقل فى مستواها مما يقدم الآن، وللأسف؛ فإن نجومًا كبارًا قد شاركوا فى هذه الأفلام التى نستطيع وصفها بالإباحية، ولك أن تعود إلى «سيدة الأقمار السوداء» و«أعظم طفل فى العالم» و«عروس من دمشق» و«ذئاب لا تأكل اللحم» و«عاريات بلا خطيئة» و«السلم الخلفى» و«امرأة من نار» و«حمام الملاطيلى»... وغيرها من قائمة لأفلام عدة، تحتوى على مشاهد جنسية صريحة ومواقف لا يمكن تقديمها الآن وشخصيات درامية ستعترض عليها الرقابة قطعًا إذا تم تقديمها فى حاضرنا، فهل ساهمت هذه الأفلام فى إفساد المجتمع وتغيير هويته؟ وهل تسببت فى ضياع الأخلاق؟ وهل كان الماضى جميلًا حقًا أم هى الأسطورة الكاذبة التى تريد تجميله على حساب الحاضر، وهل هناك ممثلة فى مصر الآن لديها القدرة على إعادة تقديم بعض المشاهد التى قدمتها ناهد يسرى وناهد شريف وشمس البارودى وغيرهن؟ ألم يكن صلاح أبوسيف هو مخرج «حمام الملاطيلى»؟ ألم يقدم عزالدين ذوالفقار فيلمًا رائعًا شديد العذوبة لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة بعنوان «نهر الحب»، وهو الذى يدعو فيه بطريقة مباشرة للخيانة الزوجية تحت مسمى الحب؟ ولدينا قائمة طويلة من الأفلام التى كانت تحض على الرذيلة وتبرر الخيانة وإقامة علاقات غير شرعية، وبعضها قدم شخصيات الشواذ، والمرأة اللعوب، دون أن يؤثر ذلك فى المجتمع، وبعيدًا عن السينما فإن المسلسلات التى يتباكى عليها الناس الآن كانت تقوم على أفكار درامية لا تخلو من جرائم القتل والسرقة والخيانة، فالدراما منذ وضع قواعدها الأولى أرسطو، وهى تقوم على الصراع بين قوتين متكافئتين، والملائكة لا يصنعون الدراما إنما هى تصنع بواسطة الشياطين الذين يتحولون إلى عقبة فى طريق أصحاب الحق ومن هنا يبدأ الصراع، ودعونا نتساءل: ألم تكن هناك راقصة تتلاعب بالرجال الذين يأتون إلى الملهى الليلى فى مسلسل «ليالى الحلمية»، وأن هذه الراقصة أوقعت بزينهم السماحى رمز الوطنية، وأن تلميذتها فيما بعد نجحت فى الزواج من سليم باشا، ألم يتاجر بسيونى «بسه» وخميس فى كل شىء ممنوع، ألم تترك الأم نازك ابنتها وذهبت لتتزوج الرجال؟ ألم يكن العمدة سليمان غانم يسب زوجته وصيفة فى كل مشهد بألفاظ نابية، ومع ذلك تقبل المجتمع كل هذا ولم يعترض أحد، وفى مسلسل «عصفور النار» يتآمر صقر الحلوانى على أخيه صادق العمدة السابق للبلدة، ويكون سببا فى قتله، وفى النهاية يتم حرق القرية بأكملها، فلماذا تقبل المجتمع آنذاك القتل والحرق؟ لماذا تقبله أيضا وهو يشاهد «ليلة القبض على فاطمة» للرائعة سكينة فؤاد، وتعاطف مع فاطمة التى تقف أمام أخيها القاتل والمزور والفاسد، لماذا لم يعترض أحد على الخمور التى كانت فى معظم حلقات «رأفت الهجان» ولا على النساء الجميلات اللاتى وقعن فى غرامه وأقام معهن علاقات غير شرعية؟ وفى «الشهد والدموع» ألم يقم الصراع على تسبب الأخ فى موت أخيه، وفى «أحلام الفتى الطائر» ألم يكن البطل مجرمًا ولصًا يسرق أموال عصابة كبرى، ألم يقتل جميل راتب العشرات فى هذا المسلسل وهو يبحث عن إبراهيم؟ لماذا لم تقم الدنيا وقتها؟ ولماذا لم تتهم الدراما حينها بإفساد المجتمع؟ الأمر ببساطة يعود إلى المجتمع نفسه وليس إلى الدراما التى لم تغير قوانينها منذ قتل «هاملت» عمه، ومنذ حول «ماكبث» المسرح إلى ساحة دماء؟ المجتمع يا سادتى الكرام هو الذى تغير، وعلينا مناقشة هذا، فلقد حدثت ردة ثقافية كبرى أثرت فى مفاهيم الناس ووعيهم، وهب أنك أوقفت الإنتاج الفنى نهائيا، فهل سيعنى ذلك غياب الجريمة وسنتحول إلى مجتمع ملائكى، إن التيارات المتشددة التى ترهبنا بالقتل والذبح لا تشاهد أفلاما، بل تحرم رؤيتها.. أفيقوا يرحمكم الله.