التناقض الذى يحكم سلوكنا اليومى يجعل أكبر المتفائلين فى حيرة من أمره.. وترتبك الخطوط الفاصلة وتصبح الحيرة هى سيدة الموقف.. فى الأسبوع الماضى كتبنا عن لافتة مطعم أرطغرل فى مطروح، التى تم تشييدها تحت سمع وبصر الجهاز التنفيذى هناك.. رصدنا غضب الغاضبين، ورصدنا تدخل جهة ما وإزالة اللافتة.. لنسأل بدورنا بعد تلك الواقعة عن تعدد الجهات صاحبة القرار؛ ولأن سؤالى بعيد عن البراءة أكشف لكم علامة الاستفهام فى سؤالى، وهى هل الجهات المتعددة المسئولة عن أمننا ومصرنا وحياتنا اليومية تعمل كلها وفق منهج موحد ورؤية واضحة واتفاق على الثوابت؟.. للأسف الإجابة لا.
لدينا أصوات منفردة عاقلة تصطدم يوميًا بميراث من البيروقراطية والغباء الذى يحيط بكل مفاصل حياتنا اليومية.. وإليكم المثال التالي: طبيبة التخدير الشابة الدكتورة مارجريت نبيل تفارق الحياة، وهى بغرفة العمليات تؤدى عملها الشاق لإنقاذ أرواح لم تسأل الطبيبة عن ديانتها، مقتنعة بأن الإنسانية هى الدين المتعارف عليه لدى الأطباء.. انتقلت الطبيبة الشابة إلى خالقها فكتبت المستشفى نعيًا يليق يفيض بالمحبة والرحمة والاعتدال وما إن نشرت المستشفى النعى، حتى تصدى طبيب أسنان لن أذكر اسمه رافضًا الترحم على الشهيدة لأنها مسيحية.. طبيب الأسنان خريج طب الأزهر الذى يتمتع بدمامة الروح وسوء الخلق وضيق الرؤية لا يعبر عن وجهة نظر شخصية، فهذا التيار الكاره للحياة وللبشر يتوغلون فى الجسد المصري.. فى مطروح إرهابى يعلن عن دعم سفاح اسمه أرطغرل وترده جهة ما عاقلة وفى رحيل مارجريت تترحم عليها مستشفى عاقلة ويعاند الترحم تيار فاشى منغلق يتربص بنا وينتظر اللحظة المناسبة؛ ليدمر ما تبقى من روح الأمة المصرية.
سيستمر التناقض؛ ليحذف كل قيمة ندافع عنها سوف يستمر، مثل السوس فى البدن لذلك نسمع بين وقت وآخر أسئلة مشروعة تريد أن تطمئن على مستقبل الدولة المدنية دولة القانون، التى لا تعرف أرطغرل ولا طبيب الأسنان الأزهري.. دولة المساواة والمواطنة التى لا تعرف الازدواجية، فعندما ينص الدستور والقانون على عدم جواز قيام أحزاب على أساس دينى، فيكون من حقنا وعلى الفور أن نقرأ خبرا فى الصفحة الأولى بالجرائد الرسمية للدولة يقول حل كل الأحزاب التى تأسست فى غفلة من الزمن كالنور وغيره.. لنا ومن حقنا أن نتكلم عن المادة الثانية من الدستور لنا ومن حقنا أن يطلع علينا مسئول؛ ليقول لنا حكاية الأزهر وجامعته وكيف يتسلل إلى ذلك الصرح الكبير متطرفون قتلوا فرج فودة منذ سنوات ونجلس الآن منتظرين الضحية التالية.
واستمرارا لمسلسل التناقض نتابع الإنجاز العبقرى للمهندس هانى عازر الذى كرمته ألمانيا بداية هذا الأسبوع وطارت له وزيرة الدولة للهجرة لتشارك فى هذه المناسبة الوطنية العالمية، وبينما الحال هكذا أفتش فى قنوات إعلام ماسبيرو عن متابعة لهذا الحدث ولا أجد ماسبيرو الذى يلتهم ضرائب المصريين ويتجاهل همومهم هو الوجه الآخر لمؤسسة الأزهر التى تعيش بأموالنا ولا تعطينا حلمنا منها.. ماسبيرو والأزهر مؤسستان تقتربان فى الشبه والملامح من إدارات الحكم المحلى فى المدن والمحافظات تناقض صارخ.. جاءوا فى المحليات كموظفين من أجل راحتنا، ولكن يا للعجب هم سبب شقائنا لغياب كل الخدمات المنوطة بهم.
بصراحة ما لم يتم إزالة كل التناقضات سوف نواجه بدلا عن الأزمة أزمات.. ما لم تتدخل الدولة بكل ثقلها مستفيدة من الدعم الشعبى الذى تحظى به سوف نخسر الكثير من مستقبلنا الذى ضحينا من أجله وما زلنا نضحى.