الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

النقد بالنقد والتقسيط

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زال الفن فى وطنى مرتعًا لكل من هب ودب رغم وجود أكاديمية للفنون تضم معاهد عليا فى كل التخصصات وتخرج كل عام عشرات من الطاقات الإبداعية الدارسة بشكل علمى وأكاديمى، لكن يبقى الباب الخلفى مفتوحًا على مصرعيه فتدخل منه أنصاف المواهب والأقارب والأصدقاء وأصحاب المصالح والواسطة والمحسوبية، وأنا لا أقلل من شأن غير الدارسين فبعضهم يحظى بموهبة جبارة تنقصها الدراسة، والفن فى عصرنا ليس موهبة فقط كما يعتقد البعض ولكنه صار دراسة علمية خالصة ممزوجة بالموهبة، وفى أوروبا والدول المتقدمة لا يسمح لأى موهوب بممارسة الفن إلا بعد حصوله على شهادة علمية تؤهله لذلك، أو على الأقل يجتاز دورة تدريبية بداخل استوديو عريق من الاستديوهات المنتشرة هناك والتى تدار بمعرفة مجموعة من المتخصصين، وأحسب أن ما فعله الدكتور أشرف زكى مؤخرًا من تنظيم ورشة لغير المعهديين سيغلق جزءًا كبيرًا من الباب الخلفى لدخول المجال، ولكن هذا يختص بالممثل فما بالك بالمؤلف والمخرج والناقد، ودعونا اليوم نتوقف عند النقد والنقاد، هذه المهنة التى لا يغار عليها أحد ولا يدافع عنها أحد والتى أصبحت حقًا أصيلًا لكل من أراد أن يسبق اسمه بلقب الناقد، فلا نقابة تحمى ولا مؤسسة أو كيان يعترض، وما أسهل أن تصبح ناقدًا فى زمن ضعف فيه الإبداع، فمن الثابت أن الحركة النقدية القوية تكون دائمًا مصاحبة لحركة ابداعية أقوى ولولا أن «أرسطو» أول نقاد الفن على الإطلاق عاش فى عصر الكاتب العظيم «سوفوكليس» ما كان سيترك لنا أول كتاب نقدى يحتوى على نظريات للدراما وهو كتاب فن الشعر، وماكان مارتن اسلن سيضع كتبه عن النقد إلا فى وجود تينسى ويليامز ويوجين أونيل وغيرهما، والحركة النقدية الفنية فى مصر إبان ستينيات القرن الماضى شهدت أسماء وقامات حفرت وجودها فى التاريخ الفنى بحروف من نور كالدكتور محمد مندور ورشاد رشدى وعلى الراعى ولويس عوض وغيرهم، وكان من الطبيعى أن يظهر هؤلاء فى ظل وجود نجيب محفوظ ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم ونعمان عاشور وألفريد فرج وغيرهم، وهؤلاء الكبار هم الذين أسسوا لعلم النقد الفنى فى مصر وتتلمذت على أيديهم مجموعة من الأساتذة الذين سافروا إلى الخارج وعادوا بإجازات علمية فى مجال النقد الفنى المعاصر كفوزى فهمى وإبراهيم حمادة ونبيل راغب وعزالدين إسماعيل وهدى وصفى ونهاد صليحة وغيرهم، وهؤلاء كان لنا الشرف تعلم النقد على أيديهم داخل أروقة أكاديمية الفنون لندرك أن الناقد هو أحد مكونات العمل الفنى، وأنه يكمل المنظومة برؤيته العلمية حين يعيد قراءة وتفسير العمل الفنى كاشفًا عما كان يجهله المبدع عن نفسه وموضحًا للجمهور الأبعاد التحتية للعمل الفنى وفق المدرسة التى ينتمى إليها هذا الناقد من مدارس النقد ومذاهبه العديدة كالسيميائية أوالبنيوية أو التفكيكية أوغيرها من المدارس النقدية القديمة والحديثة، أما الآن فحدث ولا حرج عن هؤلاء الذين نعتوا أنفسهم بالنقاد وهم لم يقرأوا كتابًا واحدًا فى النقد، هؤلاء الذين ظنوا أن النقد ماهو إلا سن السكين للمبدع ومهاجمته بأقذر الألفاظ وبأقوال مرسلة لا ترتكز على أى أسس علمية وكلها إما أراء إنطباعية أو أراء يحركها الهوى، فالنقد فى بلادى أصبح يكتب فى بعض الأحيان بالنقد أو التقسيط، فإدفع بالتى هى أحسن حتى يُقال عنك أحلى الكلام، ومن السهولة جدًا أن تصبح ناقدًا، عليك فقط أن تنشأ صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى وتلقب نفسك بالناقد وتكتب عن أى عمل فنى كلامًا من قبيل «هذا مؤلف فاشل وهذا المسلسل طبيخ ينقصه الفلفل والشطة أو هذا المؤلف لص.. سارق أوالمخرج الموكوس والممثل الأوفر» اكتب هذا وسوف تجد من يشجعك ويعيد نشر ما كتبته مؤكدًا أن هذا هو رأى الناقد فلان الفلانى، وستجد من يتصل بك لتحل ضيفًا فى أحد البرامج التلفازية، حيث ستلقبك المذيعة بالناقد الفنى، فإذ صرت شهيرًا فيمكنك الإتصال بصناع أى عمل فنى وتطلب منه أموالًا مقابل ما سوف يكتبه عنك، وإلا تعرضت لهجوم كاسح، وإذا فتشت فى تاريخ هذا الناقد المزعوم فإنك ستفاجئ بأن الشهادة الوحيدة التى حصل عليها فى حياته هى شهادة ميلاده وستفاجئ بأن السجل الإجرامى له يعمر بقضايا الرشوة والفساد وغيرها والسؤال متى تتحرك النقابات الفنية مدافعة عن شعبة لديها اسمها شعبة النقد ومتى سيتم التصدى لهؤلاء الذين تسببوا فى تشويه واختلاط المفاهيم عند الجمهور، حتى إن أحدهم كتب عن القدير شريف عرفة بأنه لا يصلح للإخراج.. تخيلوا!!.. إن الكلمة يا سادة مسئولية، وهى أشد من نصل السكين وسوف يحاسبك الله تعالى عنها فمن ذا الذى أعطاك قلما لتكتب به هذا الهراء، وقديمًا كان الضمير هو المحرك الأول للناقد، أما الآن فقد اختلف الأمر ولله الأمر من قبل ومن بعد.