نصيحة غريبة أكتبها لك وأعرف أن لكل منا تجربة مختلفة لكن البعض ربما أخذ بعضا من البعض، بعدما تجاوزنا منذ سنوات فكرة الوظيفة الميري ومرحلة السعي وراء وظيفية حكومية ولو عامل براتب ثابت ثم التدرج في السلم، هاتان الفكرتان اللتان أكلتا سنوات عمرنا فتفاجأت أجيال سبقتنا أنها وصلت للمعاش ولم تفعل شيئا يذكر في حياتها لأنها تواكلت ولم تتوكل على الله، ربطت الرزق بعقد وتأمينات وتناست أنه من الله وأنه وحده يؤمن ذلك الرزق، وسيأتيك وإن ضللت أنت طريقه، فقط لا تخشى منحنيات الحياة، لا تظن أن الحياة توقفت إذا تركت عمل ما، كن متيقنا أن الله يدبر لك أمرك.. استجم واضحك وبإيمان قل إن الله اختار لك الأفضل.
أتذكر حينما أنهيت دراستي الجامعية لم يكن أمامي إلا أن أدخل الجيش ضابط احتياطي ليساعدنا الراتب حتى ينتهي أشقائي من سنوات تعليمهم، وحينما أنهيت المدة وتقريبا آخر يوم طلبت من أحد أصدقائي عمل فبشرني بأنه وجد لي عمل مراجع حسابات في إحدى الشركات براتب 350 جنيها، كنت سعيدا للغاية واجتهد على قدر المستطاع، لكن حلمي كان في يدي وقلبي، كنت أدون كتابتي ومن راتبي البسيط أقتطع جزء لعمل مجلة أنا وصديق لي، لا أنكر أن ما كنت أفعله حينها كان محط سخرية وتهريج من بعض زملائي، حتى أنني كتبت ذات يوم قصة بعنوان "فضيلة" سرد فيها الصراع الحياتي داخل الإنسان بين الفضيلة والروح والنفس والإيمان، جسدتهم شخصيات وأخذت أشرح لزملائي المعركة بينهم، وأن الفائز فيها يوميا يجبرنا على اتباع سبيله، فلو استيقظنا من نومنا منفتحين آملين فإن الغلبة كانت في نومتنا للروح، تطورت القصة إلى رواية ظلت حتى الآن في كراسة مكتوب عليها "فضيلة" لم تخرج للنور حتى الآن.
في فترة عملي مراجع حسابات كان هناك مدير مالي ظننت أنه متعنت معي ولا يحبني فقد كان يقول لي "أنا لي عندك 8 ساعات أشغل في أي حاجة"، أمين مخزن، أمين خزينة، مندوب مشتريات، شئون إدارية، سائق، لم أكن أدرك أن الله ساق لي هذا الرجل ليزيد ثرائي الفكري ويجعلني في فترة قصيرة أعايش وأحفظ آلاف الحكايات، بعدما أدركت ذلك أصبحت ممتننا له كثيرا، وخاصة حينما اتصل بي صديقي وأخبرني أن القناة الفضائية التي يعمل بها تطلب محررين توثيق مكتبات "إعادة كتابة سيناريوهات الأفلام"، كان المتقدمين كثر والاختبار كان كتابة قصة فيلم شاهدته، فكتبت أنا قصة ما عشته في فترة عملي السابقة، ولاقى الأمر استحسان اللجنة والتحقت بالعمل براتب 10 أضعاف ما كنت أتقاضاه لكن حكمة الله لم تكن في الوظيفة، لكن في أن أشاهد وأعيد كتابة كل مكتبة الأفلام المصرية، تخيلوا هذا الكم من السيناريوهات أعاود كتابته حتى وصلت في وقت ما لعشرة أفلام في الأسبوع وكان رقما قياسيا.. وكنت من المميزين في الأمر، لكن تغير طاقم المديرين وجاءت الريح بما لا تشتهي السفن، جاءت مديرة كما يقولون "حطتني في دماغها" فاختلقت موقف طلبت مني فيه الاعتذار "لننوس عين خالته" الذي كان يعمل معنا، فرفضت وتركت العمل.. البعض تخيل أنني مجنون، لكني كنت قد رسخت بداخلي أن أترك أموري لله.
كنت أخرج من منزلنا يوميا كأني ذاهب للعمل اشتري الجرائد وأبحث عن وظائف خالية، اكتشفت أن ما سبق جعل لي فرصة التقديم في كل الوظائف، لم تعجبني وظيفة سائق أتوبيس قطاع عام إلا يومين، ولا مدير شئون إدارية سوى شهر، ولا أمين خزينة سوى شهرين، كان هناك إعلان عن حاجة جمعية أيتام لمراقب مخازن، أعجبني الأمر تجربة جديدة لم أعشها، لكن المفاجأة كانت طابورا طويلا من المتقدمين، مدير الشئون الإدارية كان يمر علينا يأخذ البيانات، فلمح في يدي ديوان شعر، فأخذ يتفحصه ثم جذبه مني وقال في اندهاش: "إنت شاعر! "، كان هو الآخر يكتب شعرا، تبادلنا الإلقاء، وكنت لهذا السبب الفائز بالوظيفة، كان عائدها المادي ضعيفا لكن عائدها المعنوي كبيرا نقش في الذاكرة معاناة الأطفال الأيتام ومجهولين النسب، رسخ في داخلي قيمة فعل الخير والتجارة مع الله.
عوضت نقص الراتب بعملي فترة مسائية على تاكسي، لم يكن أحدا يعرف ذلك، كنت أدون حكايات الزبائن في أجندة معي، أمارس هواياتي الصحفية معهم وأكتب كما لو كنت أراسل بعض الصحف، حتى تصادف أن ركب معي صحفي، فاندهش من الأمر وطلب مني أن أرسل له ما أكتب وبالفعل نشره.
عادت الحياة فأعطتني ظهرها مرة أخرى، لصوص حاولوا سرقة التاكسي وحينما فشلوا ضربوني وحطموه ومات أبي ودخلت في دوامة مشاكل عائلية، كنت أبتسم وأصلي وأضحك من فعل الحياة معي، تعافت روحي على اتصال من هذا الصحفي: "انت فين يا بني بدور عليك تعالى حالا"، فتح لي باب صاحبة الجلالة كنت أكتب ورائه حتى ضحكاته وانفعالاته، كنت أسجل كل كلمة، حتى تعلمت كل شيء وكأن القدر أراد أن يعوضني ما ضاع مني.
سنوات طويلة حتى وصلت إلى هنا بيقين أن الله يدبر لي الأمر.
أتذكر حينما أنهيت دراستي الجامعية لم يكن أمامي إلا أن أدخل الجيش ضابط احتياطي ليساعدنا الراتب حتى ينتهي أشقائي من سنوات تعليمهم، وحينما أنهيت المدة وتقريبا آخر يوم طلبت من أحد أصدقائي عمل فبشرني بأنه وجد لي عمل مراجع حسابات في إحدى الشركات براتب 350 جنيها، كنت سعيدا للغاية واجتهد على قدر المستطاع، لكن حلمي كان في يدي وقلبي، كنت أدون كتابتي ومن راتبي البسيط أقتطع جزء لعمل مجلة أنا وصديق لي، لا أنكر أن ما كنت أفعله حينها كان محط سخرية وتهريج من بعض زملائي، حتى أنني كتبت ذات يوم قصة بعنوان "فضيلة" سرد فيها الصراع الحياتي داخل الإنسان بين الفضيلة والروح والنفس والإيمان، جسدتهم شخصيات وأخذت أشرح لزملائي المعركة بينهم، وأن الفائز فيها يوميا يجبرنا على اتباع سبيله، فلو استيقظنا من نومنا منفتحين آملين فإن الغلبة كانت في نومتنا للروح، تطورت القصة إلى رواية ظلت حتى الآن في كراسة مكتوب عليها "فضيلة" لم تخرج للنور حتى الآن.
في فترة عملي مراجع حسابات كان هناك مدير مالي ظننت أنه متعنت معي ولا يحبني فقد كان يقول لي "أنا لي عندك 8 ساعات أشغل في أي حاجة"، أمين مخزن، أمين خزينة، مندوب مشتريات، شئون إدارية، سائق، لم أكن أدرك أن الله ساق لي هذا الرجل ليزيد ثرائي الفكري ويجعلني في فترة قصيرة أعايش وأحفظ آلاف الحكايات، بعدما أدركت ذلك أصبحت ممتننا له كثيرا، وخاصة حينما اتصل بي صديقي وأخبرني أن القناة الفضائية التي يعمل بها تطلب محررين توثيق مكتبات "إعادة كتابة سيناريوهات الأفلام"، كان المتقدمين كثر والاختبار كان كتابة قصة فيلم شاهدته، فكتبت أنا قصة ما عشته في فترة عملي السابقة، ولاقى الأمر استحسان اللجنة والتحقت بالعمل براتب 10 أضعاف ما كنت أتقاضاه لكن حكمة الله لم تكن في الوظيفة، لكن في أن أشاهد وأعيد كتابة كل مكتبة الأفلام المصرية، تخيلوا هذا الكم من السيناريوهات أعاود كتابته حتى وصلت في وقت ما لعشرة أفلام في الأسبوع وكان رقما قياسيا.. وكنت من المميزين في الأمر، لكن تغير طاقم المديرين وجاءت الريح بما لا تشتهي السفن، جاءت مديرة كما يقولون "حطتني في دماغها" فاختلقت موقف طلبت مني فيه الاعتذار "لننوس عين خالته" الذي كان يعمل معنا، فرفضت وتركت العمل.. البعض تخيل أنني مجنون، لكني كنت قد رسخت بداخلي أن أترك أموري لله.
كنت أخرج من منزلنا يوميا كأني ذاهب للعمل اشتري الجرائد وأبحث عن وظائف خالية، اكتشفت أن ما سبق جعل لي فرصة التقديم في كل الوظائف، لم تعجبني وظيفة سائق أتوبيس قطاع عام إلا يومين، ولا مدير شئون إدارية سوى شهر، ولا أمين خزينة سوى شهرين، كان هناك إعلان عن حاجة جمعية أيتام لمراقب مخازن، أعجبني الأمر تجربة جديدة لم أعشها، لكن المفاجأة كانت طابورا طويلا من المتقدمين، مدير الشئون الإدارية كان يمر علينا يأخذ البيانات، فلمح في يدي ديوان شعر، فأخذ يتفحصه ثم جذبه مني وقال في اندهاش: "إنت شاعر! "، كان هو الآخر يكتب شعرا، تبادلنا الإلقاء، وكنت لهذا السبب الفائز بالوظيفة، كان عائدها المادي ضعيفا لكن عائدها المعنوي كبيرا نقش في الذاكرة معاناة الأطفال الأيتام ومجهولين النسب، رسخ في داخلي قيمة فعل الخير والتجارة مع الله.
عوضت نقص الراتب بعملي فترة مسائية على تاكسي، لم يكن أحدا يعرف ذلك، كنت أدون حكايات الزبائن في أجندة معي، أمارس هواياتي الصحفية معهم وأكتب كما لو كنت أراسل بعض الصحف، حتى تصادف أن ركب معي صحفي، فاندهش من الأمر وطلب مني أن أرسل له ما أكتب وبالفعل نشره.
عادت الحياة فأعطتني ظهرها مرة أخرى، لصوص حاولوا سرقة التاكسي وحينما فشلوا ضربوني وحطموه ومات أبي ودخلت في دوامة مشاكل عائلية، كنت أبتسم وأصلي وأضحك من فعل الحياة معي، تعافت روحي على اتصال من هذا الصحفي: "انت فين يا بني بدور عليك تعالى حالا"، فتح لي باب صاحبة الجلالة كنت أكتب ورائه حتى ضحكاته وانفعالاته، كنت أسجل كل كلمة، حتى تعلمت كل شيء وكأن القدر أراد أن يعوضني ما ضاع مني.
سنوات طويلة حتى وصلت إلى هنا بيقين أن الله يدبر لي الأمر.