تعلو في العالم اليوم موجة من الكراهية والتحريض ضد المهاجرين السوريين أو المهاجرين "العرب والمسلمين عمومًا" تحت ضغط التيار الشعبوي أو اليمين الجديد الفاشي، رئيس الوزراء المجري أوربان مثله مثل دونالد ترامب الأمريكي، رمزان للكراهية المغلفة بالوطنية أو مناصرة أجندات التشغيل المحلية، ولكنهما - مع من يوافقهما- يمثلان التفافًا وردة عن العالم الجديد الذي نحلم به.
ويأتى التساؤل: هل الحملة المسعورة والممجوجة ضد أشقائنا السوريين، تنتمي إلى نفس المدرسة العنصرية المغلفة بالوطنية ومناصرة أجندات التشغيل المحلية، وهل يمكن التعامل مع الملف السوري فقط من هذا المنطق النفعى دون الالتفات إلى حقوق أخرى تمليها وإجابتنا التاريخية تجاه سوريا التي ظلت مفتوحة لزيارات المصريين على مدى الستين سنة الماضية - بدون تأشيرة وبترحيب أهلي ورسمي؟
تنطلق تلك الدعاوى بينما نحن نحتفل في عامنا الحالي بالذكرى المئوية لثورة 1919، وهي تقريبًا ذكرى تعميد الوطنية المصرية، دستور 1923 الذي ولدت به دولة المواطنة المصرية. وترسيخ ثقافة المواطنة لكل من يعيشون على هذه الأرض، المواطنون المصريون ذوي اللغة اليونانية أو اللهجة الشامية كانوا مشتركًا في أفلام الأربعينيات، لم يلتفت أحد إن كان نجيب الريحاني مصري بالمولد أم مصري بالابتسامة، إن كان نجيب الريحاني شيعيًا أم مسيحيًا أرثوذكسيًا روميا؟ لم يُفْتِ شيخ ولا مولى إن كان زواج الأميرة فوزية السُّنية - شقيقة الملك فاروق – من شاه إيران رضا بهلوي الشيعي حلال أم حلال أم مكروه؟!
عندما كانت دمياط ميناء مصر الأول فيما بين الفتح العربي والقرن 18، كان نصف سكان مدينة دمياط من الشوام، مسلمين ومسيحيين أتوا ليستقروا في مصر، تركوا لنا شطارة "الدمياطي" في الصناعة والتجارة، وصناعة الأثاث والحلويات والمنتجات الزراعية، أحد مظاهر الامتزاج الغير العادي بين الشام ومصر هو أن الإقليمين كانا دولة واحدة تحت حكم المماليك، وتحت حكم الدولة العثمانية ولكن الطاعون الذي قضى على رخاء دمياط في أواخر القرن 19، ربما غير طاعون العنصرية الذي نعايشه اليوم، أن يأتي اللاجئون السوريون أو غيرهم بعشرات المليارات من الدولارات، أو بغير المليارات، هو إضافة لمصر أو للمصريين، وهكذا كانت مصر أثرى وأفضل بهجرة آلاف السوريين والشوام الذين أنشأوا الصحافة والمسرح والمعاهد والمدارس والمصانع وأداروا الشركات منذ القرن 19. ملاك شركات شمسي وبرزي وغيرهم، هم من نفس نسيج (الأخوان تكلا) أصحاب مؤسسة الأهرام وصيدناوي وفاطمة اليوسف من الشوام ومن السوريين.
دول كثيرة في العالم صممت برامج كثيرة لجذب المستثمرين والكفاءات الفائقة بمميزات للهجرة أو الإقامة، من دبي إلى قبرص إلى أيرلندا، حتى ألمانيا واليابان المتشددتين في قوانين الهجرة سنت قوانين جديدة لجذب الخبرات العالية والمهنية لملء الفراغ أو النقص في سوق العمل. دوافع التقنين والنظام العام يجب أن تكون المصلحة العامة والقيم العليا أن وجود اللاجئين السوريين في مصر تم وفقا لقواعد وضعتها الدولة المصرية تضمن بها سلامة المواطن المصرى والأمن المصرى والاقتصاد المصرى دون أن تتخلى عن واجبها تجاه أشقائنا السوريين ومكانتها فى أن تظل حاضنة لكل أشقائها العرب، وربما أيضًا حاضنة وجاذبة لكل البشرية من الأربع جهات في العالم، أم الدنيا لكي تظل أم الدنيا يجب أن تكون دولة المواطنة، مصر القديمة هي تقدمية قياسًا لعصرها ولعصرنا، سباقة منفتحة وأُمًا رهيفة لكل أبنائها وربما لأبناء البشرية الآخرين الذين تصيبهم الكوارث والحروب، نعم مصر دولة محدودة الموارد، ولكنها أكرم من أن تدير ظهرها لمستجير.