حدثني الصالح نجم الدين أثناء عودتنا من أرض الشام لمصر أن الملكة شجر الدر اتفقت مع بعض المماليك على إصدار مرسوم جديد يمنحها هى وعشيرتها الضبطية القضائية؛ لأن أحوال البلاد والعباد فى قاهرة المعز أصبحت تدعو للقلق، فالملكة أغضبها شهيق المقاهى وزفير الأباريق النحاسية وجرافتى باعة العرقسوس مما جعلها تطلب من أعوانها أمناء مكاتب إرشاد الجماعة فى عطوف ودروب المحروسة أن يقوموا بتنظيم حملة من العياق والشطار استرضاء لحرافيش المحروسة المهمشين وزيادة حصتهم من دعم الطاعة لتصبح حصة كل حرفوش بعض الأموال من كفارة رؤية هلال العيد.
ولم يستطع الصالح نجم الدين إخفاء قلقه من الملكة شجر الدر لرغبتها المستمرة فى إقصاء الآخر فهى تؤمن دائمًا أن الوطن فى خدمة الجماعة، وهذا ما جعلها تفشل فى استقطاب الأمير قطز لتضامنه الدائم مع حرافيش المحروسة، وظلت الملكة شجر الدر تنفض عن طموحاتها غبار الأيام الخوالى عندما كانت جارية فى حرملك الصالح نجم الدين تدين له بالولاء والطاعة ولم ينسَ الصالح نجم الدين أن الجارية شجر الدر قد سجنت من أجله فى سجن الكرك، لكنها استطاعت الهرب من السجن أثناء الانفلات الأمنى الذى حدث فى الأردن.
ودخلت الملكة شجر الدر بجوار سيدها الصالح نجم الدين القاهرة من الباب الخلفى وأخذ الركب يشق طريقه فى شارع المعز، وتدلت أعين المصريين من وراء المشربيات تشاهد هذا الركب المهيب وتفتش بنظراتها عن القميص الواقى ولكن الملكة لم تكن يومها ترتدى القميص الواقى من الرصاص إلا أن بصيرة الحرافيش أدركت فيما بعد أن هبوط سعر الدولار سيجعل الملكة شجر الدر ترتدى القميص الواقى حتى أثناء نومها.
وسار الركب فى شوارع القاهرة وسط البيارق والأعلام المزركشة وزحام الناس التى اكتحلت أعينهم برؤية الحلوى الدمشقية ثم خرج الركب من باب زويلة متجهًا إلى ميدان الرميلة عند القلعة وشاهد حرافيش مصر المحروسة الملكة شجر الدر وهى تشير على سيدها الصالح نجم الدين ببناء قلعة الروضة عند مقياس النيل بعيدًا عن قلعة الجبل التى تسكنها بعض الائتلافات الصغيرة من المماليك الثورية، كما أشارت الملكة على سيدها بشراء مماليك إخوانية أشداء لتدريبهم تدريبًا حماسيًا على فنون القتال ليصبحوا ميليشيات أهل السمع والطاعة
ومات الصالح نجم الدين ومات بعده ابنه ولى العهد توران شاه غريقا فى النيل بجوار قلعة الروضة، وكان هذا الاستهداف لولى العهد آخر الحكام الأيوبيين هو باكورة التنظيم السرى لجماعة المماليك الإخوانية، لأن صور توران شاه على الإنستجرام قد أغضب المماليك، وكانت آخر تغريدة لولى العهد على حسابه الخاص على تويتر قبل استشهاده.. سيناء مصرية وستبقى مصرية.
واعتلت الجارية شجر الدر عرش مصر وظلت ملكة على البلاد أكثر من ثمانين يومًا إلا أن الخليفة العباسى أرسل لمماليك مصر على الآدمن الخاص بالخلافة العباسية مقولته الشهيرة (أليس عندكم رجل يحكم البلاد لتحكم البلاد امرأة)، وقام الخليفة العباسى بتهديد المماليك بقطع المعونة العباسية عن مصر.
اجتمع المماليك بحثًا عن مخرج لهذه الأزمة الدستورية واستسلموا للضغوط العباسية وقرروا اختيار مملوك من مماليك الجماعة يشاطر الملكة حكم مصر وتم اختيار عز الدين أيبك ليشارك الملكة حكم البلاد ثم تتنازل له الملكة بعد ذلك عن العرش وبموجب هذا التنازل يصبح عز الدين أيبك ملك البلاد الأوحد الذى يملك فتوى حق ضرب الزوجة، ولكن المماليك وجدوا أنفسهم أمام أزمة دستورية لا تستطيع تسويتها مجالس شورى الجماعة المملوكية فسلطان العلماء الشيخ العز بن عبدالسلام وقف أمام المماليك بحد القضاء وخرج مناديا فى أهل مصر يا أهل مصر المحروسة هؤلاء المماليك لن يتزوجوا منكم ولن يدخلوا معكم فى شراء أوبيع قبل أن يحرروا أنفسهم وأمر قاضى قضاة مصر جماعة المماليك أن ينزلوا إلى السوق ويتم بيعهم ونزل المماليك إلى السوق وتم البيع فى مزاد علنى قائم على الشفافية وقام الشيخ العز بن عبدالسلام بنفسه بالإشراف القضائى الكامل وبمتابعة الحبر الفسفورى وبعد بيع المماليك فى السوق ارتفع مؤشر البورصة المملوكية وامتلأت الصناديق السوداء.
رحم الله العز بن عبدالسلام الذى كتب على موقع الهيئة الوطنية للإعلام، حفظ الله مصر المحروسة.
