يتابع الأكاديمى الصينى جاستن ييفو لين وكبير الاقتصاديين فى البنك الدولى والنائب الأعلى لرئيس البنك. والحاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة شيكاغو الأمريكية، فى كتاب « السعى إلى الرخاء.. كيف تنطلق الاقتصادات النامية « والذى نقلة إلى العربية حمدى كيلة والصادر عن المركز القومى للترجمة ٢٠١٨ بقوله: إنه عكس تنبؤات معظم النماذج النيوكلاسيكية، فإن التقارب بين اقتصادات العالم كان محدودًا، ففى سنة ٢٠٠٨ فى الولايات المتحدة أكبر دول العالم وإحدى أغنى دولة، كان متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى، مقياسًا بالقوة الشرائية النسبية للعملات، يعادل ثلاثة أضعاف مثيلة فى المكسيك المجاورة، وستة عشر أضعاف مثيلة فى الهند ومائة وخمسة وأربعين ضعفا بالنسبة لمثيلة فى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ولا تزال تلك الفجوة تتسع. وعلى مدى معظم القرن الماضى، هبطت الدخول فى الدول النامية كثيرًا جدًا عن الدخول فى الدول المتقدمة، بكل من القيم النسبية والمطلقة. ولكن الملاحظة الميدانية تكشف عن أن التباعد بين الدول الصناعية والنامية ليس عصيًا على التغيير: ففى القرنين الماضيين كانت بعض الدول قادرة على اللحاق بأكثر الاقتصادات تقدمًا.
اليابان حققت أكثر الأرقام إثارة للإعجاب فى القرن الفائت. فوفقًا لماديسون كان متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلى الإجمالى سنة ١٩٠٠ يُعادل بالكاد ٢٩٪ من مثيله فى الولايات المتحدة - مقيسًا بسعر الدولار العالمى - وفى سنة ٢٠٠٨ أصبح يساوى ٧٣٪. دول أخرى حققت تقدمًا فى اتجاه اللحاق بالولايات المتحدة، فالسويد حسنت متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى مقارنة بالولايات المتحدة من ٤٪ إلى ٧٨ ٪ وظل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى فرنسا اكبر من ٧٠ ٪ من مثيله فى الولايات المتحدة. وعلى النقيض، سجلت دول الاتحاد السوفيتى السابق هبوطًا فى متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى من ٣٠٪ إلى ٢٥٪.
إن الأدلة التاريخية تبين أن عملية النمو فى الاقتصادات الناجحة اتبعت نمطا متشابها : فالاقتصادات الأوفر حظًا مثل إنجلترا والولايات المتحدة وظفت براعتها فى إنتاج منتجات وصناعات جديدة ابتكارية، وفى أساليب لأداء الأعمال تسمح لها بأن تحقق مكاسب فى الإنتاجية، وأن تنمو بخطى سريعة. أما من بعدها مثل فرنسا وألمانيا واليابان، فقد استطاعت ببساطة أن تحاكى الدول الناجحة، وتلحق بها.
وهذا هو السبب فى أن الغرب استغرق ثلاثمائة عاما لكى يبتكر ويُصَنّع، بينما اليابان احتاجات لأقل من مائة عام، وشرق آسيا (وعلى وجهة الخصوص هونج كونج وتايوان وكوريا وسنغافورة، التى قاربت مستويات الدخول فى الدول الغربية المتقدمة فى النص الثانى من القرن العشرين) استغرق أربعين عامًا فقط. وفى وقت احدث، انطلقت أيضا مجموعة مكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين (دول البريكس). ومسار أى اقتصاد ناجح تقريبًا-من شيلى إلى موريشيوس- يمكن أن يفهم من خلال نفس هذا النمط.
لكن فيما عدا هذه المجموعة المختارة، فشلت معظم الدول النامية فى أن تحقق طموحاتها فى النمو الاقتصادى منذ الحرب العالمية الثانية. وفى الواقع أن الكثير منها واجه أزمات متلاحقة. كيف يمكن للدول النامية أن تخلق الظروف الضرورية لتسهيل تدفق التكنولوجيا وإطلاق العنان للنمو، حتى ولو بسياسات اقتصاد كلى ليست مثالية، وبمؤسسات ضعيفة، وفى غياب حقوق ملكية خاصة كاملة.
إن أى دولة نامية تملك بالطبيعة وفرة فى قوة العمل أو الموارد الطبيعية ولكن لديها ندرة نسبية فى رأس المال. وسوف يكون ثمن العمل أو الموارد الطبيعية منخفضا نسبيا وثمن رأس المال مرتفعا نسبيا. ولهذا فإن أى دولة نامية سوف يكون لديها عيب طبيعى فى صناعة ثقيلة – تتطلب مدخلات رأس مال كبيرة ومدخلات عمل قليلة – لأن تكاليف إنتاجها سوف تكون بالضرورة أعلى من مثيلتها فى دولة متقدمة. هذه هى فكرة الميزة النسبية التى تقضى بأن تنتج الدول السلع والخدمات التى تتطلب العوامل المتوافرة لديها نسبيًا كمدخلات، وبذلك تتحمل تكلفة أقل من أى دولة أخرى.
ويشير تقرير النمو: إستراتيجيات لنمو مستدام وتنمية شاملة، هو دراسة تمثل معلما رئيسيا نشرتها لجنة النمو والتنمية سنة ٢٠٠٨، بالتزامن مع بداية عملى ككبير للاقتصاديين بالبنك الدولى، اتبعت نهجا مشابها ولكنها أخذته إلى مستوى جديد. وتولى رئاستها مايكل سبينس الحائز على جائزة نوبل ودانى ليبزيجر أحد نواب رئيس البنك الدولى. وعلى مدى عامين سعت اللجنة إلى «تجميع أفضل فهم موجود حول السياسات والاستراتيجيات التى تؤكد على النمو الاقتصادى السريع والمستدام والحد من الفقر». وقد كان عملها مدفوعًا بالآتى:
إدراك أن الفقر لا يمكن الحد منه بمعزل عن النمو الاقتصادى وأن الربط بين الاثنين كان مفقودًا فى استراتيجيات تنمية عديدة.
أدلة متزايدة على أن القوى الاقتصادية والاجتماعية التى يقوم عليها النمو السريع والمستدام تحظى بفهم أقل بكثير مما يعتقد بشكل عام؛ وأن النصيحة الاقتصادية قد قدمت للدول النامية بثقة ليس لها ما يبررها من معرفة كافية.
إدراك أن تراكم الخبرات العالية (الناجحة وغير الناجحة) ذات الصلة بالنمو على مدى السنوات العشرين الماضية تقدم مصدرًا فريدًا للتعلم.
وللحديث بقية