كنت مجندًا على الجبهة فى أحد المواقع الأمامية بالإسماعيلية بعد ما شاهدت فيلم أغنية «على الممر» للمخرج على عبدالخالق حين تم عرضه عام ١٩٧٢، وقد تأثرت بالفيلم حتى سالت دموعى ساخنة على وجهى، وأنا جندى مجند على الجبهة.
وقد تعايشت مع أبطال الفيلم أحمد مرعى والعملاق محمود مرسى - صلاح السعدنى.. صالح قابيل وباقى أبطال الفيلم، الذين قاموا بتعبير أمين عما يدور فى نفوس الجنود المصريين الأبطال، الذين يدافعون عن أحد الممرات داخل سيناء الحبيبة العزيزة أثناء حرب ٦٧ كان الفيلم أبيض وأسود ومحدودًا جغرافيًا وبإمكانيات متواضعة فى ذات الوقت ولكنه استطاع المخرج المبدع على عبدالخالق أن يقدم فى الفيلم شكل المؤثرات الإنسانية والفنية للجنود أثناء الحرب وتقديم فهم عميق لنفوس جنودنا الأبطال.
كما جاءت كلمات أغنية «تعيشى يا ضحكة مصر» للشاعر عبدالرحمن الأبنودى داخل الفيلم معبرة عن نخوة وشهامة وشجاعة جنودنا الأبطال حينما غنى الفنان أحمد مرعى فى الفيلم تلك الأغنية المؤثرة.. ابكى انزف اموت وتعيشى يا ضحكة مصر.. وتعيش يا نيل يا طيب.. وتعيش يا ناسيم العصر.. وتعيش يا قمر المغرب يا شجرة توت.. وتعيشى يا ضحكة مصر.. ابكى انزف اموت.. وتعيشى يا ضحكة مصر».
وقد استطاع المؤلف على سالم والسيناريست مصطفى محرم أن يؤكد اللحظات المؤثرة للجنود فى هذا الفيلم الذى يؤرخ إلى حالتهم فى فترة نكسة ٦٧، وفى مشاهد عميقة رغم الإمكانيات الشحيحة فى الإنتاج والأدوات فى ذلك الوقت إلا أن الفيلم يعتبر من أهم الأعمال البارزة عن سينما الحرب فى تاريخ مصر السينمائى حينما تم إخراجه عام ٧٢ ويحسب للمؤسسة المصرية العامة للسينما وجماعة الشباب الجديدة أنها خرجت وأنتجت هذا الفيلم المهم. وفى هذه الأيام وقبل عيد الفطر المبارك ومنذ أيام قليلة أعلن عرض الفيلم الجديد «الممر» من إخراج وتأليف شريف عرفة، وبطولة مجموعه من الفنانين، من بينهم أحمد عز، أحمد فلوكس، هند صبرى، أحمد رزق، محمد فراج، محمد الشرنوبى، أحمد صلاح حسنى، ومحمود حافظ مع موسيقى الفنان المبدع عمر خيرت، وهو فيلم يستحق التحية أيضاً.
ولأن قصة الفيلم تتحدث عن فترة ٦٧ أيضًا وعن الممرات داخل سيناء والنقطة الحصينة فإن المقارنة هنا بين الفيلمين «أغنية على الممر» و«الممر» غير واردة لأسباب كثيرة موضعية، منها إنتاج فيلم أغنية على الممر كان عام ٧٢ أى بعد النكسة بخمس سنوات.
وأما الفيلم الأخير «الممر» يأتى بعد أكثر من ٥٠ عامًا على النكسة مع الوضع فى الاعتبار الفروق بين الإمكانيات المالية والمعدات الحديثة والتقنيات الفنية الجديدة يُضاف إلى ذلك تغير المناخ السياسى والاجتماعى.
ولكن الأهم هنا وفى هذا الإطار ومن وجهة نظرنا ونحن نقاوم الإرهاب والتطرف مع تعدد الأعداء والمتربصين بالوطن والتحديات الكثيرة، التى تواجهها بلادنا منها التحديات الدولية والعربية والداخلية الكثير من المشاكل المتعددة التى تواجه بلادنا اقتصاديًا واجتماعيًا.
ومن هنا فإننا فى حاجة ماسة إلى:
* أولًا: تقوية واستعادة قوتنا الناعمة الثقافية والفنية التعليمية والدبلوماسية والدينية بكل مكوناتها خصوصًا أن لمصر تاريخًا وتراثًا عميقًا بقواعدها الناعمة.
* ثانيًا: ما أحوجنا التي تقوم مؤسسات الدولة خصوصًا القوات المسلحة بإمكانياتها المعروفة بدعم الإنتاج السينمائى والأفلام الحربية والعسكرية والإنسانية، التى تبرز دور الجنود والأبطال من قواتنا المسلحة عبر معاركنا الوطنية التى يقوم بها الشعب المصرى والجيش المصرى العظيم.
وهناك عشرات بل مئات من القصص المؤثرة ويكفى الإشارة إلى الجندى البطل عبدالعاطى صائد الدبابات نموذجًا الذى كان يعيش يعشق الوطن ودمر عشرات الدبابات الإسرائيلية فى سيناء فى أكتوبر ١٩٧٣ وتوفى مواطنًا بسيطًا.. كذلك قصص بطولة اقتحام النقطة الحصينة الإسرائيلية أمام لسان بورتوفيق على الجبهه بالسويس ولحظة إنزال وتسليم العلم إلى الإسرائيلى للجنود المصريين، وهى الصورة التى تناقلتها وكالات الأنباء العالمية والمحلية حينها. كذلك تأريخ وتوثيق معركة المقاومة الشعبية فى السويس التى واجهت الدبابات الأسرائيلية ومنعها من دخول السويس مع جنود القوات المسلحة.. هذا غير العشرات من القصص البطولية التى ما أحوجنا إلى إبرازها الآن واستخلاص الدروس منها.
إن إنتاج الأفلام الوثائقية والفنية وحتى التجارية الراقية أصبحت ضرورة ملحة، ومن هنا نثمن دعم القوات المسلحة من أجل إنتاج فيلم الممر، ويحسب للمخرج الكبير شريف عرفة ذلك.
* ثالثًا: أهمية أن يتم فتح منافذ للإبداع الفنى للفرق الفنية بأنواعها للشباب والمبدعين للتعبير عن طموحاتهم وأحلامهم من أجل النهوض بالوطن اجتماعيًا واقتصاديًا وتنمويًا.
إن السينما المصرية باعتبارها جزءًا من عناصر القوة الناعمة فى حاجة ماسة مثل باقى الفنون، لتقديمها وإبراز دورها من أجل مصر التى نريدها الأفضل والأرقى دولة مدنية ديمقراطية حديثة التى من حق شعبها أن يحيا حياة أفضل بإذن الله.