من المفترض أن أسماء الشوارع والأحياء والمدن لا تخضع للمجاملة، كما لا يجوز التعامل معها بخفة واستسهال فتدفع الأجيال المقبلة ثمنًا باهظًا من ثقافتهم ومن وعيهم.. فاختيار الاسم لا يكون مصادفة ولكنه يحمل رسالة مشفرة مكثفة له دلالاتها التى تسكن فى وجدان من يتداول الاسم.. لذلك لم أفهم حتى الآن سر تسمية مشروع عملاق لعاصمة ذكية فى مصر بإسم العاصمة الإدارية وما تحملة كلمة الإدارية من تراث بيروقراطى عقيم.. ورغم مناداة الكثيرين بضرورة اختيار اسم مختصر وعميق للمدينة التى تكلفت المليارات وسوف تكون محط أنظار العالم.. إلا أننا حتى اليوم نناديها بالعاصمة الإدارية ذلك الاسم المركب والذى يتكون من كلمتين لا يمكن أن يقارن بحجم هدف المدينة.
ولضرورة الاستقرار على اسم يليق بذلك المشروع شهدنا مبادرات على وسائل التواصل الاجتماعى لاقتراح اسم للمدينة وكأنه استفتاء شعبى وجاءت اختيارات معظم المشاركين لتدل على وعى هذا الشعب فاختاروا أسماء ذات جذور فرعونية مثل منف وطيبة، وأعتقد أنه لو اتخذ الأمر بالجدية اللازمة سوف نقرأ اقتراحات مبدعة من فنانى ومثقفى مصر وبذلك نضرب عصفورين بحجر واحد العصفور الأول هو أن يتردد الاسم المصرى الخالص فى كل وسائل الإعلام العالمية التى تتابع الآن مسار العمل هناك، ولنعتبر ذلك جزءًا من الدعاية المجانية للسياحة فى مصر، أما العصفور الثانى فهو أننا نكون قد أهدينا للأجيال القادمة ذاكرة نشطة فى التاريخ والانتماء لملامح مصر.
وإذا ابتعدنا عن العاصمة الإدارية قليلًا سنرى العجب فى بعض الأسماء التى نلوكها ونرددها يوميًا مثل شارع سليم الأول فى القاهرة ذلك الغازى لبلادنا وصاحب التراث الأسود القاتل باحتراف واللص المتمكن.. عندما نرصد حالة كهذه لا بد من التعامل معها بجدية وخبرة لكى نغسل معًا لافتات شوارعنا، فمن حسن حظنا أن تاريخ مصر القديم والحديث يضم الآلاف من الرموز التى تستحق الخلود ليسألنا أبناؤنا عن قصص تلك الأسماء ونحكى لهم بافتخار.
وعندنا مثل فى ذلك عندما استيقظت عمارات وسط البلد بعد نوم عميق بسبب قيام وزارة الثقافة بتنفيذ مشروع لافتة «هنا عاش» لتكتب على مداخل تلك العمارات الأثرية اسم مبدع أو فنان أو سياسى سكن وعاش فى هذه العمارة أو تلك فعادت الروح من جديد نتاملها على السلالم والشرفات فيكون التواصل والمعرفة وتكتمل حلقات الحياة.. لذلك يصبح التشدد فى اختيار أسماء الشوارع والمدن أمرًا واجبًا.
وإذا كان ما سبق هو مهمة الدولة وأجهزتها وإعلامها وبدعم من مثقفيها نجد على الجانب الآخر المسئولية الفردية للأشخاص عندما يختارون أسماء محلاتهم ومشاريعهم.. فقد اصطدم الرأى العام بمصر فى الأسبوع الماضى بصورة لمطعم خاص فى مدينة مطروح يحمل اسم أرطغرل ذلك الرمز التركى البغيض والذى يعتبره المؤرخون أبوالغزاة الأتراك ومن نسله جاء قادة القتلة والاستعمار وحسبما تقول الأسطورة التركية ذاتها إن أرطغرل هو الأب المباشر لمؤسس الدولة العثمانية التى اكتوينا بنارها.. ويستطيع المؤرخ المتخصص إفادتنا فى ذلك.
صورة واجهة أرطغرل التى أحاطها صاحبها بالإضاءة الملونة استفزت كل من ذهب للاصطياف فى مطروح حتى بادر أحدهم بالتقاط صورة لتلك اللافتة المستفزة، وقام بنشرها ولاقت رواجًا رافضًا لاختيار ذلك الاسم.
هنا نسأل بوضوح ألا يوجد بديوان عام محافظة مطروح رجل رشيد وإن لم يكن عندهم تلك الرشادة.. ألا يوجد مسئول فى القاهرة يرفع سماعة التليفون ليعترض.. للأسف تلك الرسائل الشفرية تمشى عكس اتجاه التقدم فإذا لم يحكمنا الوعى فلا نعتب على ذاكرة الأجيال القادمة.