الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سادة المطبخ

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى شهر رمضان الكريم حالت ظروف صحية لزميلة مهنة المتاعب من الوقوف بالمطبخ لإعداد وجبة الإفطار لصغيريها، إذ اضطرت لإجراء عملية جراحية عقب آلام شديدة بالزائدة الدودية، وخضعت لأسبوع من الراحة عقبها، فصارحتنى ضاحكة ومشيدة بعون رفيق العمر لها، وأنها اكتشفت مواهب طبخ عند زوجها، وترتيب طاولة الأكل بأناقة وجمال، ما لم تعرفه فيه طوال خمس سنوات عشرة زواج تحت السقف الواحد، حتى وهى تشقى مقاسمة يومها بين عمل صباحي، وعودة للبيت لأجل التنظيف والطهى والعناية بالطفلين، لم يكن ينبرى ويكشف عن جهد ولو بسيط! بحجة أنها لا تشكو تعبًا وغير متطلبة! وكان أن خُضنا نقاشا حول ذلك «الرجال فى المطبخ العائلي»، وفى فمى طعم «كعك العيد» صنيعة زوجها، والذى رمى لها بجملة محذرة بأن لا تكشف عن ذلك لكل رفيقاتها.
فما الذى يجعل من الرجال من جهة مشاهير الطباخين فى العالم، وحالما نشير إلى رجل يطبخ فى بيته يتغير التعليق والرأي، ويصير الأمر وكأنه ارتكاب لجرم، وخرق لتابوت، بل توجيه إهانة، أو كعِلة مرتكبة تستلزم التخفي، كونها نقيصة قدر وقيمة، من جهة أخرى، الطباخون «الشّيف» بارزون فى مشاريعهم الخاصة مطاعما ثابتة أم سيارة، أو فى مطابخ الفنادق فى دولهم، ودول العرب والعجم، ومنهم من يُشار إليه أنه طباخ مشاهير النجوم، والحكام، ولهم سيرة تروى فى ذلك، نراهم يرتدون المريلة بيضاء أم ملونة، ويطوفون فى المحلات، وأسواق الخضار، والأجبان واللحوم، وتوابل الحلو والحار، وأعيونهم تدقق، وتنتقى بتقدير متقن لكل نوعية وكمية المادة والخلطة، مستخدمين حواسهم لمسا، وشما، وتذوقا، وسمعا كمعلومة عن جودة ما يختارونه فترجح النسب، وتجعل من طبقهم المقدم للزبائن المرتادين مثار إشادة، ومدح، راضين مقتنعين بلذاذة ما يدلونه فى بطونهم، وقبلها ما يفتح شهية عيونهم، فهنا العين تعشق قبل المعدة أحيانا!
ساعة خرجت الفضائيات كان الشيفات (الذكور) العرب مشاهير فى جلسات النساء يعيدون نصائحهم وينجزون وصاياهم، وظهورهم نجوما على أغلفة المجلات، ولاحقا إصدارت مطبوعة فاخرة، وفى دعاية وإعلان تسويق المنتجات (مواد غذائية من زبد، وجبن، وزيت، ودقيق و..) عرفنا الشيف رمزي، وكمال السيد، وحسن الإمام، وأنطوان الحاج، وميلود النجار، والبرعي، وكان ملفتا أن فاق منهم وسبق عددا من يطبخون لنا على الهواء مباشرة خروج «الشيف» من النساء، وحتى عندما خرجت القنوات المختصة بالطبخ ظل الرجال يشكلون رقما أعلى من السيدات، يتفننون فى اقتراح وإعداد وجبات العالم، وفى شهر رمضان يتكثف حضورهم فغير مطبخ رمضان اليومي، يجولون فى بعض البرامج خارج الاستديو فى مطابخ شهيرة ليعرضوا لنا سيرة زملائهم من الطباخين، ونقف على إعدادهم فطورا ووجبات تحلية، أما السهرات فلم تخل أيضا من فقرة الشيف، من يطبخ لضيف السهرة سحوره، والبُخار الشهى يعبر أمام الكاميرا والضيوف سائحا فى الاستديو من ساعة السهرة حتى منتهاها.
ليس لنا أن لا نمدح متعة الأكل وثقافته وذائقته، وقبلها التسليم بضرورته فى حياتنا، ولعل ذلك مفسر رئيس لأن يعرف الرجال الطبخ بعيدا عن نظرية تقسيم العمل، ويبرزون فيه كطهاة عالميين، حتى داخل قوائم موسوعة جينس، ومحتوى السيرة، فيلينى نموذج الذى كتب عن شغفه الشديد بالطبخ والأكل وشخصيات فى أفلام السينما العالمية ظهروا فى مشاهد واقعية يطبخون، ومصريا فيلم «طباخ الريس»، سادة المطبخ من الرجال يعبرون عن معنى لا خلاف عليه أن لا مهنة تظل ذات خصوصية أنثوية.