أصدرت وزارة الثقافة الجزائرية عام ١٩٦٩م تكليفًا للكاتب الجزائرى «مصطفى تومي» ليكتب أغنية «ماما أفريكا» عن «مريام ماكيبا» رمز النضال ضد الفصل العنصري فى أفريقيا. منذ ذلك الحين والعالم يعرف ميريام بهذا الاسم، إذ يرونها أمًا للقارة الأفريقية لم تتوقف عن النضال من أجلها. وأظن أن أى شخص يتمتع بجنسية أفريقية عليه أن يعرف عن أم أفريقيا، لاسيما ونحن فى وقت يتزايد فيه إدراك الدول الأفريقية بقيمة العودة لأفريقيا والتجذر والتكتل حول دول الجوار وجيوب الأمن الجغرافى والقومى التى تمثل حدودًا سياسية.
ولدت ميريام عام ١٩٣٢م فى جوهانسبرج لأبوين من عرقين مختلفين، لذا أطلق عليها قومها اسم «زينزي» الذى يعنى بلغة الزولو «لا تلومن إلا نفسك». أحبت الغناء، وطورت موهبتها، وشاركت عام ١٩٦٠م فى الفيلم الوثائقى «Come Back، Africa»، الذى استهدف إدانة النظام العنصرى فى بلادها، لتجد نفسها مسحوبة الجنسية مطرودة من بلادها، وحين عجزت عن حضور جنازة أمها تعاطف معها الملايين حول العالم؛ لتكون أول مواطنة تحصل على جنسية «الوحدة الأفريقية» وتوالت عليها الجنسيات بعد ذلك، إذ كانت تملك تسع جوازات سفر مختلفة، ومُنحت المواطنة الفخرية لعشر دول.
حملت الموسيقى الأفريقية للعالم منذ التقت براعيها هارى بيلافونت فى لندن، وكان صوتها يحمل أفريقيا للعالم، وحصلت على عدة جوائز هامة منها جرامي، وسجلت معارضتها للنظام العنصرى فى بلادها حين قصت مأساتها فى الأمم المتحدة عام ١٩٦١م. تزوجت من زعيم حركة الحقوق المدنية الراديكالية فى الولايات المتحدة الأمريكية ستوكلى كارمايكل، لتصبح مطالباته بحقوق الزنوج فى أمريكا سببًا لاضطهادها من جديد، ثم شهدت وفاة ابنتها الوحيدة فى غينيا، حينها حملت كل مآسيها وقررت كتابة مذكراتها. استطاع مانديلا عام ١٩٩١م أن يعيدها لبلادها بجواز سفر فرنسي، وأقامت هناك حتى توفيت عن عمر ٧٦ عامًا متأثرة بأزمة قلبية ناتجة عن مجهود زائد حين أصرت على المشاركة فى حفل دعم «روبرتو سافيانو» الذى هددته المافيا بالاغتيال.
تحولت بعد ذلك ماكيبا إلى وحى للنضال والحرية لم يمت بين نساء العالم، ويمكنك أن ترصد أغنيات سميت باسمها فيما غنت مطربات أوروبا الشرقية وفرنسا، ومبانٍ خيرية باسمها، لعل التمييز العنصرى قلت حدته إلى حد كبير بعد ثورات التحرر العظيمة فى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وما تبعها من استمرار طويل الأجل فى تنفيذ مبادئها، إلا أن نساء أفريقيا يملكن داخلهن ماكيبا، فرأينا آلاء صلاح التى لقبت بـ «أيقونة» الثورة فى السودان فى الوقت الراهن. وفى الصدد ذاته نجد فى راوندا أكبر عدد من النساء البرلمانيات فى العالم، وأكدت مصر أنها كرئيسة للاتحاد الأفريقى فى دروته الثانية والثلاثين أن من أولويات «أجندة أفريقيا» تمكين المرأة والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدها، لاسيما وأننا فى العام الأخير لعقد المرأة الأفريقية عالميًا.