السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الثورة الرقمية وتحولات القوة الناعمة (1)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حاولت الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض قوتها الناعمة فى أواخر عقد الثمانينيات من القرن الماضى، بإقرار ما سمته «النظام الإعلامى العالمى الجديد» New Word Communication Order، وكانت منظمة اليونسكو ساحة لحوارات مريرة حول التدفق العالمى للمعلومات. وتركز العديد من النقاشات على أن وكالات الأنباء الرئيسية التى تسيطر عليها الدول الغربية تشوه ما يجرى فى الدول النامية، وأن وسائل الإعلام الغربية أصبحت ذات قوة متزايدة، وأن أقمار البث المباشر أصبحت تمثل تهديدًا أكبر لأن إشارتها تغطى عددًا من الدول بالترفيه والتسلية المتلفزة، حاملةً المعلومات والثقافة فيما وراء قوة الحكومات الوطنية فى دول العالم الثالث.
ولا تستطيع آليات الرقابة والشوشرة أن توقف تدفق الاتصال عبر الحدود التى أصبحت مسامية. واقترحت دول العالم الثالث أن يكون ثمة نظام معلوماتى واتصالى عالمى جديد على أن تحدد اتفاقات دولية الجانب الاتصالى المتضمن فى هذا النظام.
ونحن لسنا فى حاجة لأن نقول إن أعداء حرية المعلومات Freedom of Information عارضوا بشدة فكرة النظام الاتصالى والمعلوماتى العالمى الجديد، مقتنعين بأن معظم المعارضة نابعة من الخوف من قِبَل هذه الأنظمة من وسائل الإعلام التى قد تكون المسمار الذى يُدَق فى نعش النظم الدكتاتورية التى أوجدوها فى بلادهم. وقد ناقش المعارضون، من بين أشياء أخرى، أن الاقتراح ليس سوى رغبة لتوسيع مفهوم الرقابة لتمتد على مستوى دولى بعد أن كانت على مستوى محلي، وهو الهدف الذى من خلاله يمكن أن تتحقق الاستمرارية للحكومات الفاسدة، ويتم إخفاء بؤس وفقر غالبية شعوبها.
وبعد فشل الولايات المتحدة فى فرض قوتها الناعمة عن طريق إزالة كل العوائق أمام ثقافتها وإعلامها للدخول إلى كل دول العالم، فكرت فى منحى آخر وهو الطريق السريع للمعلومات Super Information Highway، وذلك للعمل على توسيع مجال الاتصال فى ثلاثة ميادين مهمة؛ وهى أن هذا الطريق يمدنا بوسائل إعلام جديدة ومزيد من الخيارات الاتصالية، والتى تعمل على زيادة البدائل المطروحة أمام الفرد، وهى البدائل التى تفصلنا عن الأسرة والمجتمع ومفهوم الدولة. كما أن هذا الطريق يتميز بأنه تفاعلى يربط الناس الذين قد لا يرون بعضهم البعض إطلاقًا من خلال البريد الإلكترونى والصحف الإلكترونية والأدوات التفاعلية الأخرى، كما أن الطريق السريع للمعلومات يخلق وسائل ربط بعيدة للأنشطة الشخصية.
وجاءت الخطوة المهمة لتمكين الولايات المتحدة فى فرض قوتها الناعمة مع نشوء شبكة الإنترنت وبدء الاستخدام الجماهيرى لها فى دول العالم المختلفة، ومن بينها الدول النامية. وقد حثت الطبيعة المتفردة للإنترنت كوسيلة اتصال جديدة قادة العالم على تشكيل سياسة للتعامل مع هذه الشبكة، فقد عقدت الدول الصناعية السبع الكبرى «المؤتمر الوزارى لمجتمع المعلومات» عام ١٩٩٦. وقد تمت الموافقة فى هذا المؤتمر على مجموعة من المبادئ، ومن بينها تشجيع المنافسة والاستثمار الخاص، وتحديد إطار عمل تنظيمى ملائم، وإتاحة الوصول المفتوح Open Access، للشبكات، وضمان الوصول العالمى للشبكة، ودعم المساواة فى الفرص والتعددية فى المحتوى.
وبخبثٍ شديد، وحتى لا تتم إثارة حفيظة النظم الدكتاتورية فى العديد من دول العالم، لم يتم إلقاء الضوء على حرية التعبير بعبارات واضحة ومحددة فى توصيات المؤتمر، رغم الضغوط التى مورست من جانب منظمات حقوق الإنسان والجماعات الأخرى العاملة فى هذا المجال، التى حثت المؤتمرين لأن يكون هناك مثل هذا التأكيد، لكن الهدف النهائى للمؤتمر يعمل على تدعيم تعددية المحتوى، والتى يمكن إنجازها فقط من خلال تشجيع التعبير الحر فى كل أنحاء العالم. وهكذا استطاعت الولايات المتحدة أن تعطى إشارة البدء فى تغلغل وسيلتها الرئيسية والجديدة (الإنترنت) فى ممارسة قوتها الناعمة فى نسيج المجتمعات المختلفة عبر العالم. 
وبنهاية ٢٠١٦ أصبح نصف سكان العالم تقريبًا من مستخدمى الإنترنت مع تزايد شبكات الهواتف المحمولة وهبوط الأسعار، ولكن هذه الأعداد تظل متركزة فى العالم المتقدم، فى الوقت نفسه توقعت وكالة «زينيث» للتسويق الإعلامى، أن ٧٥ بالمائة من استخدام الإنترنت سيكون عن طريق الهاتف المحمول فى ٢٠١٧، وهو ما يزيد قليلًا على العام الماضى مع تنامى عدد المستهلكين حول العالم الذين يصلون إلى الإنترنت عبر الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحي، حيث ازداد مستخدمو الإنترنت فى الصين، وهو البلد الذى يضم أكبر عدد مستخدمين لشبكة الإنترنت على الصعيد العالمي، ليتخطى ٧٠٠ مليون شخص، مشكلًا أكثر من نصف إجمالى متصفحى الإنترنت فى العالم.
على صعيد مختلف، تعقد غالبية وسائل الإعلام شراكات مع الجهات الوافدة حديثًا إلى مجال الإعلام لتعزيز انتشارها على محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأرباح المالية لا تزال غير مضمونة، وليس النموذج الاقتصادى هو وحده الشائك بالنسبة إلى وسائل الإعلام فى منصات الإنترنت، فالمسألة تطال أيضًا المحتويات وترتيبها الخارج عن سيطرة وسائل الإعلام.
وأعلن كل من «فيسبوك» و«تويتر» وحوالى عشرين وسيلة إعلام، من بينها وكالة «فرانس برس» الانضمام إلى اتحاد يجمع الوسائل الإعلامية والمجموعات التكنولوجية يقضى الهدف منه بتحسين نوعية المعلومات المنشورة على الإنترنت، بما فى ذلك على مواقع التوصل الاجتماعي، ويثير الدور المتنامى لشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك»، قلقًا إزاء طرق نشر المعلومات وانتقائها، عند انتشار أخبار مزيفة أو خاطئة بسرعة البرق مثلًا.
ونستكمل الحديث فى هذه الإشكالية المهمة الأسبوع المقبل.