الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مشكلة الفن والأخلاق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هل الفن حقًا غاية فى ذاته أم أنه وسيلة لغاية أخرى؟
الإجابة عن هذا السؤال تنقلنا إلى لب ما يُعْرَف باسم «مشكلة الفن والأخلاق».
وتختلف الإجابة عن هذا السؤال تبعًا للموقف التاريخى والاجتماعى الخاص الذى يجد المرء فيه نفسه، بل يختلف كذلك تبعًا للعنصر الذى يركز عليه المرء اهتمامه فى التركيب المعقد للفن، فبعض الناس يشبّه العمل الفنى بنافذة يطل المرء من خلالها على الحياة دون ما حاجة إلى إيضاح تركيب زجاج النافذة ذاته، أو مدى شفافيته أو لونه. وتبعًا لهذا يبدو العمل الفنى مجرد أداة للملاحظة والمعرفة، أى مجرد منظار لا أهمية له فى ذاته، ولا قيمة له إلا من حيث هو وسيلة لتحقيق غاية معينة. ولكن من الممكن كذلك أن يركز الإنسان نظره على العمل الفنى بوصفه بناءً شكليًا قائمًا بذاته ومكتملًا فى ذاته. وبين هاتين الوجهتين يتأرجح هدف العمل الفنى على الدوام.
ولإلقاء المزيد من الضوء على طبيعة هذه المشكلة نطرح بعض التساؤلات: هل الأعمال الفنية تغير شخصية المشاهد إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟ هل تؤثر فى سلوكه الأخلاقي؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب، فهل نستطيع نتيجة لهذا أن نحكم على الأعمال الفنية على أسس أخلاقية؟ هل يحق لنا أن نمتدح أو نذم هذه الأعمال على نفس النحو الذى نمتدح به الأشخاص أو نذمهم، فنقول هذه قصيدة «شريرة»، وتلك «خيّرة»، وهذه رواية «صالحة» وتلك «طالحة»؟ وهل من حقنا على وجه التحديد أن ننظم، بوسائل سياسية وقانونية، عملية خلق الأعمال الفنية ونشرها، حتى لو وصل بنا الأمر إلى حد حظر أعمال معينة؟ أم أن العمل الفنى مستقل تمامًا عن الغايات الأخلاقية؛ خيّرة كانت أم غير خيّرة، وأن معيار جودة العمل الفنى إنما يكمن فى قيمته الفنية فقط؟
فى إجابة الفلاسفة والمفكرين والمشتغلين بالفنون عن هذه التساؤلات، انقسموا إلى فريقين رئيسيين:
يرى الأول منهما أن الصلة بين الفن والأخلاق صلة وثيقة، وأن الأعمال الفنية لابد أن تخضع للأحكام الأخلاقية. وكان «أفلاطون» و«تولستوي» على رأس هذا الفريق. 
أما أصحاب الفريق الثاني، فكانوا على الطرف المقابل، يقولون إن الفن نشاط حر مستقل عن مضمار الخير والشر، ويعلو على شتى المواضعات الاجتماعية.
وعلى ضوء ذلك نود أن نناقش الآثار الأخلاقية للأعمال الفنية التى عُرِضَت على شاشة التليفزيون المصرى خلال شهر رمضان. ويأتى على رأس هذه الأعمال برنامج «رامز فى الشلال» الذى يقدمه «رامز جلال» طوال شهر رمضان - وسبق أن قدم برامج شبيهة به فى رمضان من كل عام - ويُصَنَّف هذا البرنامج ضمن «برامج الكاميرا الخفية». وغالبًا ما يكون ضيف هذا البرنامج شخصية فنية أو كروية معروفة لأغلب المشاهدين، لضمان انجذاب المتلقى ومتابعته لكل وقائع البرنامج حتى النهاية. خلال البرنامج يتم وضع الضيف فى مواقف مفزعة تبدو له وكأن حياته فى خطر شديد، ويتوهم أنه على وشك الهلاك. أثناء كل ذلك يطلق مقدم البرنامج لسانه بألفاظ غاية فى البذاءة، مخجلة ومخلة بالآداب العامة، بغية انتزاع ضحكات جمهور المشاهدين. 
ويتابع المشاهد؛ اللحظات الحرجة والخطرة التى يتعرض لها الضيف؛ بانفعال شديد، ويمعن البرنامج ومقدمه على الوصول بالضيف إلى أعلى مستويات الخطر، لدرجة أن بعض الضيوف حين يكتشفوا أن كل ذلك مجرد «مقلب» ينخرطون فى بكاء مرير من فرط الانفعال، ومنهم من لا يبكي، وإنما يغضب بشدة، لدرجة إقدامه على سب وشتم مقدم البرنامج بأقذع الألفاظ، والبصق فى وجهه أحيانًا، ومقدم البرنامج يقهقه فرحًا لأن «المقلب» قد انطلى على الضيف.
لم يخطر على بال مقدم البرنامج ولا على بال من قاموا بالإعداد وصرف ملايين الدولارات عليه، الآثار السلبية على بنية ووجدان المشاهد، وتشكيل المنظومة الأخلاقية له على نحو هابط، وبخاصةٍ أن من بين المشاهدين كثير من الأطفال. إن بعض ضيوف البرنامج يصرحون فى نهاية الحلقة أن أطفالهم يحبون؛ بل ويعشقون؛ «رامز جلال»، حتى أن أكثر من ضيف صرح قائلًا لمقدم البرنامج: 
«إن الحاجة أمى بتحبك جدًا يا رامز!! وأطفالى يواظبون على مشاهدة برنامجك».
هكذا صار الكاذب المخادع الشرير الذى يعمل على الإضرار بالغير، ويعرضهم للموت والهلاك - وهو منتشيًا فرحًا بما يفعل - بطلًا محبوبًا من الصغار والكبار!! 
هل يا ترى هذه هى القيم الأخلاقية التى يريد التليفزيون المصرى نشرها بين الناس؟ وبخاصةٍ بين النشء؟ ثم نصرخ بعد ذلك بأعلى الصوت بسبب انتشار العنف والإرهاب فى المجتمع!! 
إن هذه الأعمال تهبط بذوق الإنسان، وتُخَرِّب وجدانه، وتُسَطِّح عقله، وتُبَدّد القوة الناعمة لمصر، والتى عادًة ما يكون الفكر والأدب والفن أحد المصادر المهمة لهذه القوة. إن عملية تجريف عقل الإنسان المصرى ووجدانه؛ لهى أشد خطرًا من تجريف الأرض، لأن ضحيتها الإنسان، وإذا ضاع الإنسان يضيع معه العلم والفن والحياة جميعًا.