البلطجة والمخدرات والفساد.. تحالف ثلاثى يحاصر المواطن المصرى كل صباح ويرافقه حتى يعود إلى سريره، بعد أن يتأكد من غلق باب البيت جيدًا.. لدينا معركة حقيقية مع الإرهاب المتستر بالدين، ولكن لدينا فى الوقت نفسه عشرات المعارك من أجل تفعيل القانون.. لصوص الأرصفة المحتلة بالأكشاك هم بلطجية.. ثلاثة أرباع من احترفوا مهنة سايس لركن السيارات بلطجية.. نصف الذين يسرحون فى الشوارع بكلاب مفترسة هم بلطجية.. الكبار الذين اختلفوا فى الكافيهات لمتابعة ديلر المخدرات هم بلطجية.. أسطورة التوكتوك والسلاح الأبيض والموتوسكل الصينى خاطف الحقائب والمتحرش، كلها صور للبلطجة أشكال على ألوان على روائح.
العجيب أنه فى مواجهة هؤلاء توجد ترسانة ضخمة بيدها وقف تلك المهازل فى التو واللحظة، ولا تقتصر تلك الترسانة على الشرطة بمختلف تخصصاتها فقط، ولكن لدينا منظومة المحليات بجيشها الجرار من الموظفين الذين لو أرادوا عودة الانضباط إلى الشارع المسكين لفعلوها فى نصف ساعة فقط.. لدينا خلل وعيب يصل إلى درجة العار، وهو أن نرى شلال المخالفات الهادر يصب فى الشارع المصرى، ويكون المطلوب منا التعامل معه باعتباره واقعًا لا يمكن تغييره.. مصر التى تسعى لاستعادة اسمها على خارطة الدول القوية وخارطة السياحة العالمية، وتبذل فى سبيل ذلك الغالى والنفيس يقف سلوك الشارع وقطاعات واسعة من الجهاز الإدارى للدولة كالعصا فى العجلة.
قبل يومين ضابط صغير السن كبير الهمة اسمه عمر ياسر عبدالعظيم دفع حياته ثمنًا لظاهرة البلطجة.. الضابط وهو برتبة ملازم أول بمباحث قسم شرطة أبوحماد شرقية كان يطارد لصوصًا سرقوا سيارة بالإكراه، فاستدار أحدهم ومنح الضابط رصاصة فى الرقبة استشهد البريء على إثرها.. هذه العصابة التى تجرأت وحازت السلاح وروعت مواطنا وسرقت سيارته بالإكراه، ثم قتلت ضابطا شجاعا لم تولد فجأة لحظة ارتكاب الحادث وبعد القبض عليهم سنقرأ أن نصف العصابة مسجلة خطر على الأمن العام.
رحم الله الضابط الشاب، الذى لم يتجاوز عمره سبعة وعشرين عاما.. ولعل استشهاده فى العشر الأواخر من رمضان يدفع الحمية فى دماء الحكومة كاملة، لتقول وتفعل وترفع شعار «شارع أمن ومواطن سعيد».. شعار بسيط ولكنه فى نظرى يساوى مشروعا قوميًا.. لأننى أقف متسائلًا وعاجزًا عن الإجابة، عندما أشاهد أفضل شبكة طرق وأنفاق ومدن جديدة وروح مصر المستقبل تطل علينا من كل جانب بينما فى الوقت ذاته أشاهد أسواقًا حقيقية لبيع البانجو والبرشام وإذا أراد مسئول أن يتأكد، فعليه زيارة أى بقعة سواء عشوائية أو حتى بعض الشوارع المعروفة فى الأحياء الراقية ليرى بعينه ويعرف أن هناك حلقة مفقودة، لكنها قاتلة.
لنكرر للمرة الألف... انضباط الشارع لا تنقصنا فيه تشريعات ولا إمكانيات ولا تنقصنا المعلومات.. تنقصنا الإرادة والجدية والغيرة.. ينقصنا أن يقوم كل مسئول بدوره وأن يقوم كل موظف بمهام وظيفته.. وقتها لن يستشهد ضابط اسمه عمر مرة أخرى وسوف تمشى أمى وأختى وزوجتى وابنتى فى الشارع مطمئنة، ولن أكون أنا مهددًا فى كل لحظة من الالتقاء ببلطجى مصادفة.